«مصر والسودان المصري»

«مصر والسودان المصري»!

«مصر والسودان المصري»!

 صوت الإمارات -

«مصر والسودان المصري»

حسن البطل
بقلم - حسن البطل


وضعتُ العنوان بين مزدوجين، لأن العلاقة المصرية ـ السودانية شهدت، في تعاقب سريع، ثلاثة لقاءات في القاهرة والخرطوم، بدأت بزيارة وزيرة خارجية السودان إلى القاهرة، وتلاها توقيع قادة الجيشين على ما يشبه معاهدة أمنية في الخرطوم.. وثالثها زيارة رئاسية مصرية للخرطوم.
كانت عبارة العنوان متداولة في خمسينيات القرن المنصرم، وقد لا يتذكرها من المصريين والسودانيين، سوى كبار السن، وأرشيف وزارة المستعمرات البريطانية، زمن الانتداب البريطاني على مصر، وما يشبه الانتداب المصري على السودان.
استقلت مصر سنوات طويلة عن الانتداب البريطاني قبل ثورة 1952، لكن السودان استقل عن الانتداب المصري منتصف عقد الخمسينيات من القرن الماضي. الأمر يشبه قليلاً استقلال لبنان عن سورية، بعد استقلاله عن الانتداب الفرنسي.
منذ عبد الناصر إلى عبد الفتاح السيسي، شهدت مصر رئيساً مدنياً واحداً، لمدة عام، وأما السودان فقد شهدت حكماً مدنياً واحداً، وتعاقب على حكمها جنرالات الجيش، وآخرهم كان عمر البشير، والآن، يترأس الجنرال عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، مرحلة انتقالية مختلطة مع المدنيين، بعد ثورة شعبية أطاحت بعمر البشير.
الأمر يشبه، أيضاً، ما حصل في أثيوبيا، منذ انهار حكم الإمبراطور هيلا سيلاسي، الملقب «أسد يهوذا» إلى حكم أبي أحمد، لا يسجل للإمبراطور أن أديس أبابا صارت مقر «الاتحاد الأفريقي» حتى الآن، لكن منذ تأسيس «جامعة الدول العربية» بقيت القاهرة المقر الدائم لجامعة الدول العربية، باستثناء مرحلة عابرة انتقلت فيها إلى تونس، بعد معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، فإن ما سيسجل تاريخياً لأبي أحمد هو مشروع سد النهضة العملاق على النيل الأزرق، أحد أهم روافد نهر النيل، وأهم ما سيسجل لعبد الناصر هو بناء السد العالي في أسوان، وتأميم قناة السويس، وأيضاً هزيمة العام 1967.
تشترك أثيوبيا، التي كان يسميها العرب الحبشة، كما مصر أولاً، بأن البلدين عريقان في التاريخ القديم، ويربطهما مع السودان الحديث في التاريخ شريان نهر النيل، عماد حياة مصر منذ حكم الفراعنة إلى وقتنا هذا.. وربما إلى الأبد!
منذ استقلاله، وحتى استقلال ثلث جنوبه عنه في جمهورية جنوب السودان، عاش السودان حرباً أهلية متقطعة بين الحكم المركزي وحركات التمرد في جنوبه، بدءاً من منظمة «أنيانيا» بقيادة جون قرنق، إلى أول رئيس استقلالي هو سلفا كير منذ العام 2011.
منذ بداية بناء سد النهضة، بدأت بوادر أزمة بين القاهرة وأديس أبابا، وحاول رؤساء مصر وأثيوبيا والسودان الوصول إلى توافق في قمم ثلاثية وثنائية، إلى أن اقترح السودان تشكيل ما يشبه مجلس وساطة دوليا رباعيا للحل من الاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة.. والولايات المتحدة.
الخلاف لا يتعلق بحق أثيوبيا في بناء السد لتوليد كهرباء يحتاجها 60% من سكانها، بل في مراحل ملء السد وتشغيله خلال سبع سنوات، بينما تصرّ أديس أبابا على ثلاث سنوات. العالم العربي يعاني من حقوق دول المنبع ودول المصب في الأنهار.
خلال ذلك، حصل تمرد في ولاية تيغراي الأثيوبية تمّ لأديس أبابا قمعه، ونزح عشرات الآلاف من سكان الولاية إلى السودان، ونشأت مشكلة جانبية هي ترسيم الحدود السودانية ـ الأثيوبية، ما يهدد بحرب بين البلدين، بينما ترى القاهرة، وعن حق، أن أمن مصر من أمن السودان أولاً، كما من أمن ليبيا ثانياً، وأمن الخليج ثالثاً.
مع توقيع معاهدة دفاع أمني مصرية ـ سودانية، يتذكر العرب أن معاهدة الضمان الجماعي العربي القديمة، في إطار الجامعة العربية، لم تطبق من جانب مصر، سوى مرتين في خمسينيات القرن الماضي، عندما أرسلت مصر وحدات من جيشها لحماية سورية من تهديدات تركية، ثم التدخل العسكري المصري في دعم الجمهوريين الانقلابيين في اليمن، قبل حرب حزيران 1967، ودعم السعودية للإماميين، وربما، أيضاً، مشاركة عسكرية مصرية في إطار جامعة الدول العربية في حماية الكويت من تهديدات العراق لاستقلالها، أوائل تسعينيات القرن المنصرم.
بعد أزمة سد النهضة، تناست الخرطوم نزاعها مع مصر حول مثلث حلايب الحدودي، خاصة في حكم الجنرال الإسلامي عمر البشير، والمفارقة أن دولة جنوب السودان فشلت في الوساطة بين السودان وأثيوبيا، كما لم ينجح الاتحاد الأفريقي وحده.
هل تقبل أديس أبابا وساطة رباعية دولية بعد المعاهدة الأمنية المصرية ـ السودانية، أو تسير الأمور إلى حافة صدام عسكري مصري ـ سوداني مع أثيوبيا، التي يدعم موقفها حكم أسياس أفورقي في أرتيريا، التي دعمت أديس أبابا في قمع تمرد تيغراي، علماً أن أثيوبيا تحتاج إلى شرفة بحرية في ميناء مصوع الأرتيري.
تساعد مصر في جهود سياسية ودبلوماسية دولية لتهدئة الحرب الليبية، وتساعد في إنجاح الحوار الفلسطيني ودعم خيار الاحتكام إلى الانتخابات، لكن يبقى أهم ما يشغل بال مصر هو الوصول إلى اتفاقية دولية لمسألة سد النهضة، وتلافي مخاطر صدام عسكري مع أثيوبيا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«مصر والسودان المصري» «مصر والسودان المصري»



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates