الناووس في مكانه وعيون الطاووس بين الأغصان

الناووس في مكانه وعيون الطاووس بين الأغصان!

الناووس في مكانه وعيون الطاووس بين الأغصان!

 صوت الإمارات -

الناووس في مكانه وعيون الطاووس بين الأغصان

حسن البطل
بقلم - حسن البطل

إنْ وَرَد فعل «يجوس» قد تُكمِله بكلمة «قدميه»، وإنْ وَرَد فعل «يدسّ» قد تكمله بإحدى الكلمتين: «يده» أو «أنفه».. لكنني في ربيع البلاد أجوس وأدس بكتلة جسمي كلّها وبحواسي أيضاً. هل الروح حاسّة الحواس؟
هكذا فعلت في «سيران» الجمعة الفائتة. هنا يسمّون «السيران» الشامي بالغوطة خصوصاً، «شطحة»، وقد شطح بي أصحابي إلى قرية ياسوف هذه المرّة، حيث ربيع نيسان أينع ما يكون، ربما باستثناء «غور المخروق» وجواره.
إنْ وَرَدت عبارة «.. كما دخلوه أوّل مرّة»، قد تنسبه، توّاً، إلى آية من القرآن الكريم عن الحرم القدسي.. لكنني في كلّ ربيع نيساني أحظى بدخولٍ أوّل إلى قرية فلسطينية، وجميع ضِيَع وقرى ومدن فلسطين هي من «أكناف القدس».
زميلي خالد بطراوي لفت في زاويته الأسبوعية «ومضات» السبوتية، وزارة التربية، إلى تنويع رحلات تلاميذ المدارس، فقد حفظوا، غيباً، مشاهد مدن أريحا ورام الله ونابلس وقلقيلية.. إلخ، فلعلّهم يحظون بمشاهدة مدن الساحل الفلسطيني، قبل أن تغلق إسرائيل آخر «فرجة» في تصاريح الزيارة الشحيحة.
زميلي علي الخليلي زادني عِلْماً في زاويته «أبجديات» باسمٍ رابع لإحدى زهور بلادنا البريّة. «رأس خروف» هي أيضاً «قرن الغزال» و»عصا الراعي».. و»الزعمطوط». عُدتُ مزعمطاً من «الشطحة» إلى ياسوف بأضمومة وافرة من رؤوس الخرفان وعِصي الرعاة وقرون الغزال.. وسؤال وجيه: لماذا يتفق أهل بلادي على أسماء ما يؤكل من النباتات البرية، وما يُشرَب نقيعها الساخن.. لكنهم يختلفون في أسماء الزهور البرية؟
.. وأيضاً، عدتُ بنصف جواب وبِحيرة كاملة لمّا رأيتُ، لأوّل مرّة، ناووساً حجرياً يحمل نقشة زهرة سداسية البتلات مؤطّرة في دائرة.. وتشبه زهرة بريّة بيضاء قد يختلف الفلسطينيون على لفظ اسمها من بقعة إلى أخرى. الناووس هو تابوت حجري ثقيل وله غطاء حجري غير خفيف، ترونه في متاحف بلاد الشام، ويعود في الزمان إلى تقاليد دفن سابقة على عادات الديانات السماوية الثلاث. يمكنكم البحث في «الإنترنت» عن رموز الديانات الوثنية، ومن ثم تلك الديانة التي جعلت هذه الزهرة شعاراً لها ورمزاً، وهي تسع ديانات رئيسة عالمية، على ما أظن، نلتُ علامة 5 على 9 في تمييزها.
في غير بلاد، قد ينقلون مثل ذلك الناووس إلى أحد المتاحف، لكن هذا القبر الحجري المُهشَّم بشكل غشيم، سيبقى في مكانه، لأنه محفور في جلمود صخر جسيم.
لا حاجة للقول، إنّ هذه بلاد مسكونة منذ الأزل، أو منذ فجر الإنسان السابق لفجر الحضارات الأولى، والديانات الأرضية الأولى.. والديانات السماوية الثلاث اللاحقة.. ولكن ذلك الناووس المنهوب والمهشَّم باقٍ في مكانه، وعليَّ أن أفتّش عن اسم تلك الديانة الوثنية، التي كان شعارها تلك الزهرة البرية سداسية البتلات، المنتظمة دائرياً.
فتّشت عن هذا «العجرم» البرّي الشّهي، بمعونة فلاّح من أهل ياسوف فوجدته، أولاً، وراء ظهري.. ثم شطحتُ بين النباتات المزهرة وغير المزهرة، والصخور والأحجار، والأشجار المثمرة وغير المثمرة، حتى حصدتُ غلّة وافرة من هذا الذي يسمّونه «هليون».. ولا مقارنة في الطعم والنكهة بين الأصل البرّي والمستنبَت منه.
ياسوف (2000 نسمة) من أعمال بلدة سلفيت، التي صارت محافظة وسُمِّيَت مدينة    الـ (7000 نسمة)، ولعلّها المدينة الوحيدة في فلسطين التي جعلت من حجر «معصرة البـَد» لحبّات الزيتون شعاراً لها، بل وجعلَتْهُ في إطار نصبٍ تذكاري.
ثمّة نصب تذكاري حجري بسيط ومؤثِّر على خارطة الطريق بين سلفيت وياسوف. هنا سقط الشاب إياد محمود عوض بدران يوم 13/11/1993 برصاص كمين إسرائيلي ليلي لأحد الشبّان المطارَدين. القتيل (كان عمره 18 سنة) لم يكن مطارَداً، وكان على صاحبي، وابن عمّه، طبيب الأسنان المتخرّج حديثاً، أن يستجيب لإلحاح عمّه ويفتح الجثّة للتأكّد من أن اليهود لم «يسرقوا» شيئاً من أحشائه!
إذاً، دخلتُ ياسوف أوّل مرّة، وحظيتُ بماء ينبوعها الشهير والدائم، الذي استحقّ مركز مشروع هولندي كُلْفته 20 مليون شيكل، شمل جدراناً استنادية، وقنوات ماء إسمنتية، وطرقاً زراعية إسمنتية، بالتعاون مع حزب الشعب.
هل إنْ عدتُ في نيسان ما، ربيع ما، سنة ما، سأستطيع أن أعرف أين هي شجرات البرتقال الثلاث. إنّها نصيبي التطوعي من حملة لشباب اتحاد لجان الإغاثة الزراعية؟
ما هذا؟ ألواح صفراء تتدلّى من أشجار الزيتون؟ هذه مصائد حشرات طائرة. ماذا تفعل؟ إنّها ترسم «عين الطاووس» على الثمرات. أبقى غبياً نوعاً ما، لأنني أحدّق في ذيل الطاووس وعرْفه.. سأحدّق بعينه في المرّة القادمة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الناووس في مكانه وعيون الطاووس بين الأغصان الناووس في مكانه وعيون الطاووس بين الأغصان



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا
 صوت الإمارات - الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا

GMT 20:34 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد
 صوت الإمارات - ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 09:42 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

"بيوتي سنتر" مسلسل يجمع شباب مصر والسعودية

GMT 22:57 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

بن راشد يعتمد 5.8 مليار درهم لمشاريع الكهرباء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates