بقلم - حسن البطل
العام 2004 ثم 2009.. والآن 2021. عندما أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها حول جدار الفصل العنصري، لم تكن الجمعية العامة رفعت مكانة عضوية (م.ت.ف) المراقبة إلى عضوية دولة فلسطين المراقبة. محكمة العدل الدولية في لاهاي تأسّست العام 1945 مع تأسيس الأمم المتحدة.
في العام 2009 صدر تقرير لجنة القاضي الجنوب أفريقي، ريتشارد غولدستون، بناءً على تكليفه من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بعد حرب 2008 الإسرائيلية على غزة، ولم تكن فلسطين انضمت العام 2014 إلى ميثاق روما الخاص بتشكيل المحكمة الجنائية الدولية في العام 2002.
في شباط من العام 2021 صادقت غالبية قضاة المحكمة الجنائية الدولية على فتح تحقيق بشأن جرائم حرب إسرائيلية بناءً على قبول أن اختصاص المحكمة القضائي الإقليمي يشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967، وهي: غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
بعد حرب 2008، التي حققت فيها لجنة غولدستون، وأصدرت تقريرها في العام 2009، نشبت حرب ثانية في العام 2012، لكن بعد الحرب الثالثة 2014 انضمت فلسطين إلى ميثاق روما الأساسي، ومن ثم بعد خمس سنوات في العام 2019 قررت المدعية العامة للمحكمة، فاتو بنسودا أن هناك ما يبرر فتح تحقيق في جرائم حرب إسرائيلية ضد الإنسانية.
محكمة العدل الدولية، التابعة للأمم المتحدة، قالت في العام 2004، إن جدار الفصل الإسرائيلي أقيم خلافاً لخطوط وقف النار بعد حرب 1967.. ومن ثم قررت محكمة العدل العليا الإسرائيلية إدخال تعديلات طفيفة على مسار الجدار.
رفضت إسرائيل التعاون مع لجنة القاضي غولدستون، ومن ثم ادعت أن تقريره لم يأخذ بوجهة النظر الإسرائيلية التي ترى أن حركة حماس أطلقت مقذوفات عشوائية على الأراضي الإسرائيلية، فاضطر غولدستون، وهو قاض يهودي، إلى الاعتراف بأن تقريره لم يكن كاملاً للممارسات الإسرائيلية، وكذا ممارسات «حماس».
الولايات المتحدة وإسرائيل، وستّ دول أخرى، لم تنضم إلى ميثاق روما، وعضوية المحكمة الجنائية الدولية، ومقرها في لاهاي ـ هولندا، كما هو مقر محكمة العدل الدولية، بل إن الولايات المتحدة أصدرت عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، بما فيها المدعية العامة لمنعها من التحقيق في جرائم حربٍ أميركية في العراق وأفغانستان.
المحكمة الجنائية الدولية ليست تابعة مباشرة للأمم المتحدة، وتطلّب الأمر ثلاث سنوات من العام 2019 حيث قررت بنسودا أن هناك أسباباً للتحقيق في جرائم حربٍ إسرائيلية، وقرار المحكمة في العام الحالي 2021 أن ولايتها القضائية تمتد إلى كل الأراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها إسرائيل، بما في ذلك القدس الشرقية. هذا يعني إشارة انطلاق قضائية لتحقيق رسمي جنائي، علماً أن اختصاصها هو محاكمة أشخاص وليس حكومات، أي يشمل مسؤولين سياسيين، وقادة عسكريين وحتى جنوداً شاركوا في إصدار الأوامر، أو نفذوها، بما في ذلك رئيس حكومة إسرائيل وقادة الجيش الإسرائيلي.
من العام 2014 حيث انضمت فلسطين إلى ميثاق روما والمحكمة الجنائية الدولية، إلى العام 2021، مرّت سبع سنوات في خلاصتها زعم رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو، في تعقيب سريع، أن اتهام إسرائيل بجرائم حربٍ يُعدّ نوعاً من «معاداة السامية».
مع هذا الزعم تطور اتهام معاداة السامية من المحرقة النازية ضد يهود أوروبا، إلى معاداة الصهيونية، ومنها إلى معاداة السياسة الإسرائيلية.. وحتى اعتبار مقاطعة إسرائيل، ومنظمة «بي. دي. اس» (B.D.S) ضرباً من معاداة السامية، وقبلت دول غربية معينة هذه المتوالية بشكلٍ صريحٍ أو غير صريح.
سواء أكان صدور قرار اختصاص المحكمة الجنائية يشمل كل الأراضي الفلسطينية منذ حرب العام 1967 جاء بسبب بطء الإجراءات القانونية أو لأنه صدر بعد انتهاء ولاية دونالد ترامب، وطي صفحة اقتراحه عمليا «صفقة القرن» وانسحابه من «حل الدولتين» واعترافه بالقدس كلها عاصمة لإسرائيل، فإن قرار شباط يعتبر تطورا مهما لأنه يرى في المستوطنات نوعا من جرائم حرب.
بينما يعد قرار محكمة العدل الدولية حكما قانونيا مهنيا بلا شرعية امتداد جدار الفصل خارج ما يدعى «الخط الأخضر» وقرار لجنة غولدستون يتعلق بجرائم حرب إسرائيلية في غزة لكن قرار المحكمة في شباط هذا العام يشمل كل الأراضي الفلسطينية وان صدر من الدائرة التمهيدية بالمحكمة .. وبالغالبية وليس بالإجماع.
القرار هذا يخالف ادعاءات إدارة ترامب بأن الاستيطان اليهودي والمستوطنات لم يعد «غير شرعي»، ويعيد الاعتبار لقرار مجلس الأمن العام 2016 المرقوم 2334 لأن الاستيطان غير شرعي بما في ذلك مستوطنات القدس الشرقية، فهو يؤكد على وجهة النظر الفلسطينية بأن «حل الدولتين» يعني دولة فلسطينية على حدود العام 1967.
بذلك يحصل توافق بين قرارات الشرعية السياسية حول الحقوق الفلسطينية الصادرة عن الجمعية العامة، وقرارات الشرعية القانونية والقضائية الصادرة عن محكمة العدل الدولية، حكم المحكمة الجنائية الدولية.
منذ بعض الوقت يتحدث الفلسطينيون عن «تفعيل» منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة الاعتبار لها.. وعن صدور قرار اختصاص المحكمة الجنائية إلى بدء النظر في الملفات الفلسطينية أمامها، على السلطة الفلسطينية العمل على تفعيل سريع لقرار المحكمة الجنائية.. ولو كان ذلك يشمل إدانة إسرائيل أولاً و»حماس» ثانياً معاً.
المحكمة الجنائية الدولية تنظر في كل القضايا منذ تشكيلها في العام 2002 فقط.