بقلم - حسن البطل
يمكن قلب العنوان وعكسه إلى: الشاعر، المؤتمر، القرار، مع رحيل الشاعر هارون هاشم رشيد لسببين أو ثلاثة: الشاعر منعوت بشاعر العودة والقرار الدولي 194، ولأنه رحل، بالأمس، في منفاه الكندي. الأهمّ أن "سنرجع يوماً إلى حيّنا" من روائع ما أنشدت فيروز، وكذا في كل أيار نكبوي تبقى أعمدة الإنارة في رام الله، على الأقل، مزنّرة بأسماء المدن والقرى المهجّرة، مع عبارة "سنرجع يوماً".
المربّي والشيوعي القديم المتقاعد، عبد المجيد حمدان، في قرية عبوين نشر حلقات بعنوان "السكوت من تراب" لا من ذهب، وحلقة منها عن ما جرى في لوزان السويسرية من مؤتمر فيها للبحث في تنفيذ قرار الجمعية العامة، المرقوم 194، وهو الأول أو الثاني في أهميته التاريخية الفلسطينية ـ الإسرائيلية، بعد القرار 181، الخاص بتقسيم فلسطين.
مؤتمر لوزان أعقب اتفاقيات الهدنة الثانية العربية ـ الإسرائيلية، وقد جرت منفصلة، في رودس، مع كل دولة عربية شاركت في حرب العام 1948، كما تعلمون، خلاف مؤتمر لوزان الدولي، بإشراف الأمم المتحدة.
كان عمر المربّي وقت ذلك المؤتمر لا يتعدّى السنوات العشر، لكنه "بحبش" في مذكرات كتب، وخلص منها إلى وقائع مؤلمة، ومفارقات غريبة.
هو ساق شعاراً لحركة التهجير والتطهير الديمغرافي الصهيوني، نصّه: "المرحّلون لا يعودون، ومن ثمّ لا يقاومون".
ربما منه يُنسب إلى غولدا مائير شعارها: "الكبار يموتون.. والصغار ينسون". هل نقول: كلا الشعارين لم يتحقّق، لأنه، أولاً: الجيل الذي فجّر انطلاقة "فتح" وبدأ مرحلة الكفاح المسلّح، كان في العقد الأول من أعماره وقت وقعت واقعة وكارثة ونكبة العام 1948؛ وثانياً، لأن الأجيال المعاصرة الفلسطينية لا تنسى النكبة الأيارية، كما لا ينسى يهود العالم محرقة "الهولوكوست".
تعرفون، أن أوراق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة قُبلت وفق شرطين: قيام دولتين وفق قرار التقسيم، وحق عودة اللاجئين المنكوبين في العودة و/أو التعويض، وهو حق فردي وجماعي لا يسقط بالتقادم.
إلى مؤتمر لوزان، ذهبت وفود الدول العربية، دون مشاركة الشعب المنكوب، إلاّ في عضو واحد أو اثنين. لكن مؤتمراً للاجئين عقد، مع مؤتمر لوزان، مُنع عربياً من المشاركة فيه، لأنه كان أول تمثيل جنيني لشعار المقاومة المسلحة الفلسطينية: "لا وصاية. لا تبعية. لا احتواء".
قرار التقسيم الدولي كان جائراً مع ذلك، كانت الدولة العربية مترابطة الأركان في مساحة 46%، بينما كانت الدولة اليهودية متصلة مع بعضها بما يشبه "شارع" ضيق.
إلى ذلك، كان النقب من نصيب الدولة اليهودية، علماً أنه يشكل 32% من مساحة فلسطين، بينما كانت الدولة العربية ذات مساحات زراعية في معظمها، وكان 40% من سكان الدولة اليهودية عرباً. الآن تريد إسرائيل ضمّ 30% من الضفة.
هل فوّت الفلسطينيون أولاً، والعرب ثانياً، فرصة القبول، أو كانوا معذورين في الظرف التاريخي بالرفض؟ هذا موضع جدال، لكن بينما وافق مندوب الولايات المتحدة، في البداية على تطبيق "حق العودة" وفق القرار 194، فإن الوفود العربية تنازعت التمثيل الفلسطيني.
.. من ثمّ، تراجعت أميركا إلى تقديم عرض فحواه قبول إسرائيل عودة 200 ألف، واستمرت وفود الدول العربية في تنازعها.. إلى أن طوت إسرائيل القرار (وبعد حرب 1967 طوت مرحلة احتواء أراضي الدولة العربية) وحسب اتفاقية هدنة رودس، كان على الدول العربية أن تمنع تسلل عودة فردية إلى بيوتها، وقراها، ومدنها في الأعوام 1948 ـ 1950.
لم تكن القوة العسكرية الإسرائيلية حجماً، خلال هذين العامين، قادرة على منع عودة المتسلّلين، خاصة من لبنان إلى الجليل، لكن دولاً عربية أخرى لم تتورع جيوشها عن إطلاق النار على العائدين، الذين صدقوا الخدعة: "كلها أيام أسبوع وتعودون".
عقّبتُ على حلقة للملقب "أبو وديدة ـ عبد المجيد حمدان": "لهذا رفعت "فتح" شعار "القرار المستقل" فرد هو: "مدهش أنت يا بطل"، ورد القارئ جبريل حسن: "ما في حدّ مستقل". كان حافظ الأسد عقّب بالقول: "هذا الشعار الفلسطيني هو بدعة".
حقاً، صار العالم متشابكاً على غير صعيد، كما هو متشابك في جائحة الـ "كورونا"، وصار مفهوم السيادة والاستقلال مختلفاً.. لكن انظروا إلى حالة سورية حالياً ودول عربية أخرى، وحال دولة فلسطين ـ السلطة الوطنية الفلسطينية، تجدوا أن "القرار المستقل" الفلسطيني يمارس منذ هذه "الأوسلو" في السياستين العربية والعالمية، وبالتحديد في الموقف من "صفقة القرن".
في مؤتمر لوزان عن تطبيق "حق العودة" وفق القرار 194 تنازع العرب في سلب حق التمثيل الفلسطيني، والتزموا بمنع "تسلُّل" اللاجئين العائدين، كما أفشلوا حكومة أحمد حلمي لعموم فلسطين، ثم اختلفوا في الموقف من سيطرة الفصائل على منظمة التحرير الفلسطينية.
وصلنا إلى واقع أن لا مستقبل للشتات الفلسطيني في المحيط العربي، مقابل جدلية العلاقة بين المسار الفلسطيني والمصير الإسرائيلي، أو المصير الفلسطيني والمسار الإسرائيلي على جانبي ما كان "الخط الأخضر".. وفقط، السلطة الوطنية الفلسطينية، من بين دول العالم قاطبة، تصدر نشرة يومية عن تفشي هذه الـ "كورونا" شاملة الشتات الدولي الفلسطيني.
للموضوع صلة لاحقة بالسجال حول "حل الدولتين" و"حل الدولة الواحدة".
مات شاعر "العودة" في منفاه الكندي، وبقيت الأغنية "سنرجع يوماً"، وللشاعر القومي، الذي عاد ولداً متسلّلاً مع أبيه إلى البلاد وأن يكون له قبره في ثرى البلاد.. وقصائده أغاني المرحلة وما بعدها.