هذا الصرح وأنا أتلعثم

هذا الصرح وأنا أتلعثم!

هذا الصرح وأنا أتلعثم!

 صوت الإمارات -

هذا الصرح وأنا أتلعثم

حسن البطل
بقلم - حسن البطل


كدت أقول: زقورة، لكننا نصعد الزقورة في مسار حلزوني. أقول: أنشأنا لسيد أرواحنا صرحاً، زقورة مائلة مع مرقى مستقيم من ثماني عتبات وكل عتبة ثماني درجات، والمرقى من حجر كأنه يقطع ما يبدو موجات بحر تلطم الشاطئ وأرواحنا، أو كأن الموجات هي بحور الشعر.
كان الشعر القديم عمودياً، وكانت التفعيلة والقافية.. و»أحسن الشعر ما قارب النثر، وأحسن النثر ما قارب الشعر»، والمرقى إلى الضريح يقطع التفعيلة والقافية. ولا يقطع الوزن.
«من حجر نبني دولة العشاق» ومن حجر أبيض مشرب بالوردي بنينا لمن رمّم روحنا أول صرح، أول متحف، أول مزار، ورفعنا المبنى حتى كاد يقارب المعنى: معنى الشاعر ومعنى الشعر.. هارمونيكا.. هارمونيكا من حجر.
أقول، الآن، إن الاستحقاق اكتمل: هو يستحقنا (الأرض والقضية والشعب) وها نحن صرنا نستحقه: ميدان على اسمه (دشنه في حياته) وصرح باسمه (دشناه في غيابه) وجائزة كان يمنحها بيده باسم فلسطين وحدنا نمنحها بأيدينا وباسمه.
وهو يرقد والشاهدة تنتصب بعبارته: «أثر الفراشة لا يرى. أثر الفراشة لا يزول» لا يرى.. ولا يزول. الخلود لا يرى والخلود لا يزول. الحاضر- الغائب أول النكبة. اللاجئ - العائد أول النكبة.. والمواطن - العائد وقت المخاض في ولادة جديدة وبعث جديد للوطن ولشعره: كان اسمها فلسطين، وعاد اسمها فلسطين. «هزمتك يا موت الفنون جميعها».. وهزمك الشعر!
عما قليل، سنوات تطوي سنوات، ستكتمل قصيدة الصرح، عندما تنمو الأشجار بين مويجات المرقى وبحور الشعر: حجر وشجر وشعر يُرى ويُقرأ ولا يزول. بنى في ذاكرة أجيال فلسطين عشاً، وبنينا له صرحاً في فلسطين. إنه يستحقنا.. وها نحن نستحقه.
آخر المرقى، قبل الضريح، ينحني المبنيان احتراماً، أو كأنهما جناحا «طائر أخضر» عملاق وخرافي فلسطيني «عنقاء الرماد»، أو كأنهما جناحا نسر، يحمل الجناح الأول في جوفه متحفاً والثاني مكتبة. «للنيل عادات» وللشاعر عادات وأشياء وهي في متحفه تحلق في فضاء الذاكرة: مكتبه، أقلامه، ساعته ونظارته وركوة قهوة الصباح.. وطاولة النرد التي منها أنشدنا معلقة الرحيل: «لاعب النرد».. ومختارات من مختارات شعره، وحروف أبجدية اللغة العربية نافرة على الحجر، تنظمها يد الفوضى، كما «تنظمنا يد الفوضى».
وفي المكتبة نكتب اسمه بالعربية بلا أغلاط إملائية، وفي المكتبة يكتبون اسمه على كتبه بأبجدية لغات أخرى، لحرف الواو في اسمه بالعربية شكل واحد، وفي لغات أخرى في أشكال أخرى OU أو O أو U. هو محمودنا، وهو محمودهم.
هو يستحقنا ونحن نستحقه، هو أنشد للحياة (لا تذكروا بعدنا إلا الحياة) وهو أنشد للموت حتى روّضه «قل للغياب نقصتني.. وأنا جئت لأكملك».
ها قد اكتمل حضوره فينا في غيابه عنا. وله أن يختصر اللغات في حروف، وحروف اللغات في كلمة واحدة «الوطن».
«كم أحبك.. لا أحبك» وكم هو أحبنا، حتى عندما صرنا «أنت منذ الآن غيرك» وكم أحببناه في حضوره وأحببناه في غيابه ملتحفاً صرحه.
لي، وقد شهدت لقبر البسيط الأول، وأولى خطوات بناء الصرح الأول والمتحف الأول، أن أتلعثم أمام سيد الكلام، وأمام بلاغة الشعر وبلاغة المعنى وبلاغة المبنى. ها قد بنينا أجمل صرح لأجمل شاعر في بلادنا وبلاد العرب قاطبة.

صديقه ياسر
بين الحشد في افتتاح الصرح لمحت ياسر عبد ربه، غمزني ضاحكاً، غمزته ضاحكاً. قال الشاعر في حياته «الشاعر افتضحت قصيدته تماماً» وأنا فهمت الغمزة: هو صديق الشاعر ونهض للأمر، وتولى العبء كله، من تدبير طائرة خاصة لمتبرع نقلت النعش، إلى بناء صرح للجثمان.
كدت أقول لعبد ربه ما قاله كمال جنبلاط: «إن نصرت الفلسطينيين قد يذكرني التاريخ بسطر مضيء واحد، وإن خذلتهم سيلعنني بصفحات سود».. ونحن لم نخذل شاعرنا القومي.
له الدواوين (26 ديواناً) وله كتب في النثر، وعنه مختارات.. فلماذا لا يكون له من يكتب ضحكته؟ إنه سيد النكته اللاذعة والذكية.. من يجمع قفشاته ونكاته، وبعضها طالني شخصياً وطال غيري.
إنه يستحقنا.. ونحن نستحقه.. لأننا من بعد الصرح صرنا نستحق أنفسنا. يوم ميلاده صار يوماً للثقافة الوطنية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هذا الصرح وأنا أتلعثم هذا الصرح وأنا أتلعثم



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 09:42 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

"بيوتي سنتر" مسلسل يجمع شباب مصر والسعودية

GMT 22:57 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

بن راشد يعتمد 5.8 مليار درهم لمشاريع الكهرباء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates