بقلم - حسن البطل
محمد، أحمد، محمود. الجذر هو محمد، أكثر الأسماء شيوعاً في المعمورة. إلياس، إيلي، إيليا. الجذر هو إلياس (ولو نسبوا الى السيد المسيح قوله على الصليب بالسريانية: «إيلي .. إيلى. لمَ سبقتني» إلهي .. إلهي لماذا تركتني!
حتى الآن، لا أعرف لماذا جماعة من المغنين - المساطيل كانت تغني في حانات حلب «كرمى لعيون إلياس والخضرا». أعرف ان حلب لم تعد حلب (وان قناة حلب الفضائية تحولت من الحياد الإيجابي بين النظام والثورة، الى نصائح طبية عن علاجات العجز الجنسي .. وما شابه من الاستطبابات).
لا أعرف إلياس الأكبر، إلياس الأب في رام الله. كنت أعرف في بيروت: إيليا، إيلي (المارونيين) وإلياس (الأرثوذوكسي). الأولان لا غنى لي عن لعب «دق محبوسة» معهما، والثالث لا غنى لي عن الذهاب معه الى مرفأ عين المريّسة - رأس بيروت، صباحاً باكراً، لصيد السمك بالسنارة.
إلياس الأكبر في رام الله صورته في ثلاثة مقاه: «مقهى الجمل» مقابل البنك العربي - فرع رام الله التحتا، و»مقهى رام الله» الاصلي، مقابل مطعم الناصرة، وأخيراً «مقهى رام الله» الجديد والأكبر، مكان بنك الأردن سابقاً، المطل على ميدان ياسر عرفات - دوار الساعة سابقاً.
هم، في الحقيقة، أربعة أخوة.. جميعهم «أبو إلياس» ثلاثة في رام الله، والرابع في أميركا.. والجميع يحملون جواز السفر الأميركي. في مقهى رام الله - الفرع الأول والأصلي، ترى القدس مجللة بالثلج، ومشاهير الراحلين من الأدباء والشعراء والمسرحيين والنقابيين (معظمهم كانوا رواد المقهى) وأيضاً عرفات الراحل وعباس الرئيس .. والى جانب معلم القهوة أبو إلياس جهاز موسيقي ألماني «غروندك» كامل عمره ثمانون سنة ويعمل جيداً جداً، ورفوف من الكتب .. وسلام «مخربط» بين عشاق أركيلة التنباك وأركيلة المعسّل، ورواد من النشطاء الأجانب من اليابان حتى البرازيل، رجالاً ونساء (صحافي برازيلي وضع كتاباً موثقاً عن رواد المقهى بالأسماء والقصص).
هذا هو مقهاي الصباحي لقراءة الجريدة، وارتشاف قهوة ابو علي او ولاء أو احمد.
ومساء لمباريات الدوري الإسباني، وصراع برشلونة - ريال مدريد، وبالذات للعبة ورق الشدّة، خصوصاً «الطرنيب» الساخن جداً.
نصف ساعات يومي في البيت. ربعها في العمل. ثلثها في المقهى.. ولا بد من مشي (٢) كيلومتر يومياً. صرت أقسم ثلثي وقت المقهى بين مقهى أبو ألياس الصغير - الأصل، حيث فنجان القهوة ثلثاه قهوة سمراء والثلث قهوة شقراء، ومقهى أبو إلياس الكبير - الفرع، حيث المكان الفسيح، ووقت القراءة العميق، وشرب العصائر لأنني لا أستطيب قهوة ثلثاها شقراء.
مقهيا رام الله وحدة كونفدرالية للعمال والإدارة، وكبير عمال مقهى رام الله الأول، «المعلم رمزي، وصار مشرفاً على عمال مقهى رام الله الثاني. زادني رمزي معلومة غريبة: في نابلس، وهي بلده الأصلي، توجد أربعة مقاه يديرها «أبو جورج» أبناء جورج، وثلاثة مقاه يديرها «أبو انطون» أبناء أنطون؟
أظن أن الصعلوك مهيب هو من أشهر رواد مقهى رام الله - الأصل، والمقهى في المكان الاستراتيجي بين رام الله - الفوقا ورام الله - التحتا، وقد كتب شعراً معناه: خذوا العالم واتركوا لي فلسطين. خذوا فلسطين واتركوا لي رام الله. خذوا رام الله واتركوا لي مقهى رام الله.
بعض رواد المقهى من الشباب يفضلون القهوة بالكأس. عمري لم أرشف القهوة الا بالفنجان. وحدي يصلني الفنجان وكأس الماء .. وأيضاً ملعقة صغيرة أسكب منها قطرات ماء على فنجان القهوة.
لا بد، أولاً، من القهوة مرتين في المقهى، ولا بد ثانياً من الجريدة في الصباح، ولا بد ثالثاً من «دق طاولة محبوسة» مع أبو إلياس الكبير، كما كان لا بد من دق طاولة مع الجار العم ايليا، أو العم إيلي في حديقة بيته - بيتنا في شارع أميركا - رأس بيروت.
إن لم ألعب دق طاولة أو دق طرنيب مساء، فإنني سأكتب عموداً رديئاً في اليوم التالي، أو إن لم أمش (٢) كيلومتر يومياً ستكون أفكار العمود جامدة.
صور جميع شخصيات الجدران الرواد او مشاهير رحلوا .. يقولون لي: بعد عمر طويل سنعلق صورتك، لكنهم وضعوا رسمة لي رسمها وليد أيوب على براد المشروبات!
مقهى رام الله برلمان صغير للشعب الفلسطيني، أكثر ديمقراطية من اي برلمان وأكثر خلافاً قد يقطع لعبة «طرنيب» على زعل او غضب عابر.
لا هو مقهى شعبي ولا هو «كافتيريا» بل منزلة بين المنزلتين، يمتاز برواده من المثقفين والعسكريين المتقاعدين والموظفين المتقاعدين، والفنانين والصحافيين العاملين!
يقول أبو إلياس: هو بيتك الثاني. نعم، هو بيتي الثاني.. لكن أربعة «أبو إلياسات» وثلاثة مقاهٍ أمر لافت. فهو أشبه بمنتدى مفتوح للمزاج واللعب والأفكار.