هي المركز ومدينة الإزاحتين

هي المركز ومدينة الإزاحتين!

هي المركز ومدينة الإزاحتين!

 صوت الإمارات -

هي المركز ومدينة الإزاحتين

حسن البطل
بقلم - حسن البطل

اعتدتُ تصيُّد لقطات تملأ ركناً يومياً يسمى «قصتك» في الهاتف الجوّال. لقطة الأمس، عن أكبر ثغرة حفريات في «شارع السهل» الذي هو الشارع الرئيسي لـ»رام الله القديمة» كما الشارع الرئيسي لرام الله الجديدة يسمى «شارع ركب»!
اللقطة تحكي حالة إزاحة نموذجية لبيوت قديمة، مهجورة أو مسكونة، لبناء عمارات سكنية أو مجمعات تجارية مكانها. قبل الثغرة الفاغرة والعميقة، كان أكبر بيت قديم في صدارة أكبر عَرَصَة دار في شارع السهل، الذي صار شارع المقاهي والمطاعم الرصيفية، خاصة المشاوي.
سيملؤون الثغرة، ذات البيت المهجور، بأكبر مجمع تجاري في الشارع، وربما يحوي سوبرماركت أكبر من ذلك الوحيد في الشارع والمسمى «سوبرماركت ريم».
كان في حديقة، أو عَرَصَة البيت القديم، شجرة صنوبر عملاقة وشجرة تين، وفي كل مطلع خريف كنت أتردّد على حديقة البيت، لأملأ أكياساً من أكواز متساقطة، لتكون بعض مؤونة مدفأة الحطب في شقّتي. إلى مؤونة مكملة أخرى من الخشب، تدعمان مؤونة أساسية من حطب شجر الزيتون.
كان البيت القديم من طبقة واحدة، وأرضية حديقته تعلو الشارع. الآن، سيصير للمجمع الكبير مكانه، متعدد الطبقات أساس عميق من اربع طبقات تحت ـ أرضية.
للإزاحة هذه جانب حفريات الأساس، وجانب آخر هو «ردميات شوارع جديدة في مدينة التلال، كما للإزاحة هذه وجهها الآخر، وهو معادلة إزاحة شجرية ـ حجرية، ليست متعادلة بين حدائق البيوت القديمة ولا مختلة مع أشجار العمارات والمجمعات الجديدة، سوى أن تلال رام الله تفقد، مع العمران، تنوعاً مدهشاً في غطائها النباتي الطبيعي، لأن لكل متر مربع فيها تنوُّعاً مدهشاً يعادل ما في كيلومتر واحد من بلاد أوروبا!
كان للبيوت القديمة، الأقرب في طرز بنائها إلى ما يشبه «المربع العربي» حسب ملاحظة المرحوم حسين البرغوثي، ثلاثة أنواع من حجارة البناء: «الطوبزي» النافر، و»الملطّش» الأقل بروزاً، وأخيراً «المسمسم» الناعم نسبياً.. ومن ثمّ كان للبيت القديم واجهة من الحجر «المسمسم» وخلفية من الحجر «الطوبزي».. ثم انقلبت الآية في العمارات متعددة الطوابق، حيث يتسيّد الحجر «الملطّش» واجهات المبنى كلها، وبدلاً من طَرْق حجارة البناء القديمة بالأزاميل وصقلها يدوياً، صارت الآلات تقصّ كتلة حجارة ضخمة، وتدقدق وتنعّم آلياً حجارة بناء «الملطّش» بسماكة 10 سم بدلاً من حجارة «الطوبزي» الثقيلة والسميكة.
مع إزاحة البيوت القديمة ذات الطبقة الواحدة لإحلال عمارات سكنية ومجمعات تجارية، هناك جهد ملحوظ للبلدية في ترميم ما يمكن ترميمه وتحديثه مثل ترميم قلب رام الله القديمة، وكذلك بيت قديم مهجور جرى تحديثه ليصير مأوى لكبار السن، أو تحديث وترميم مقر جمعية النهضة النسائية في شارع يافا. لكن ليس كل بيت قديم محميا من حركة الإزاحة إلى بناء حديث. هناك حقوق الملكية وحقوق الإرث.
أتردّد مع جاري على بيوت ودور «تنعى من بناها الدار» لكن فيها ما يمكن التقاطه وقطفه من ثمار أشجارها من التوت أو الأسكدنيا، أو ثمار الجوز والتين، وحتى من داليات العنب الهرمة، وأحياناً نباتات اللوف وجميعها غير «مهرمنة» أو محقونة بالمخصبات الكيماوية. أحب بالذات ثمار الجوز، لأنها تذكرني بطفولتي في غوطة دمشق، وهي تطيب عندما تنضج من حالة «البغو» المخاطي إلى حالة «المحكم» حيث يصبح لبّ الثمرة طرياً مثل الخيار، ولك ما تشاء من الجوز الناشف في السوبرماركت طبعاً.
قال لي دكتور القلب محمد البطراوي: عضلة قلبك قوية، فقلت له: لكثرة ما أكلت من ثمار الجوز «المحكم» في طفولتي بغوطة دمشق الغناء. الجوز لصحة القلب!
هناك من يبكي على إزاحة بيوت قديمة، مسكونة أو مهجورة، لبناء عمارات ومجمعات، لكن بلدية رام الله تنتهز الإزاحة هذه لجعلها مواقف مؤقتة لعشرات السنوات لمئات السيارات، كما فعلت في موقف «الحلوة» الكبير، الذي سيغدو مجمعات عملاقة، أو حديقة مبنى «الأنكل سام» الذي تشغله حالياً مواقف سيارات لقرى شمال غربي رام الله، أو مجمّع المحاكم قريباً من ساحة المنارة، الذي صار مقراً للشرطة.. والآن أصبح مجمّعاً كبيراً للسيارات والمحلات التجارية. الحركة العقارية شديدة النهم.
في أول الحقبة الأوسلوية ـ السلطوية ضجر رئيس تحرير «الأيام» من كثرة الريبورتاجات والتحقيقات عن رام الله، ثم صارت المدينة موضوعاً لكتب تذمّها غالباً، أو تمدحها أحياناً. إنها ليست عتيقة معتّقة مثل القدس القديمة، أو قلب مدينة الخليل أو مدينة نابلس، لكنها مع ذلك عنوان طفرة البناء والإسكان الجديدة.
هناك مدن ـ عواصم ذات بلديات ممتازة، ورام الله بلدية ممتازة.. هذا إن استطاعت، مثلاً وقف مشروع لهدم المبنى العتيق لمسرح القصبة في مركز المدينة، إذا استطاعت تدبير مبلغ كاف لشرائه من أصحابه.
في أول حقبة السلطة أنجز المخرج عرابي السوالمة فيلماً تسجيلياً متواضعاً عن رام الله، أصبح «تراثاً» بعدما تغيرت المدينة تماماً خلال ربع قرن لا غير، كما لم تتغير مدينة أخرى في هذه الضفة من البلاد.

حسن البطل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هي المركز ومدينة الإزاحتين هي المركز ومدينة الإزاحتين



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 09:42 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

"بيوتي سنتر" مسلسل يجمع شباب مصر والسعودية

GMT 22:57 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

بن راشد يعتمد 5.8 مليار درهم لمشاريع الكهرباء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates