بقلم - حسن البطل
عطفاً على شهادة معنونة «ذكريات صغيرة عن انتفاضة 1987» للزميل خالد جمعة، ابن رفح، ومخيم الشابورة فيها.
***
غطّت المجلة المركزية أربع حروب، اثنتان منها في إصدارها البيروتي (الحرب الأهلية، وحرب الاجتياح الإسرائيلي 1982)، وفي إصدارها القبرصي («حرب المخيمات» 1985 ـ 1988، والانتفاضة الكبرى).
واكبت «فلسطين الثورة» الانتفاضة في ظروف وشروط مختلفة في الزمان والمكان، وخاصة في وسائل اتصال جديدة لم تكن متوفرة في إصدارها البيروتي، حيث لم يكن التواصل عبر الهاتف متاحاً، وصار التواصل مع الأرض المحتلة متاحاً هاتفياً، وأيضاً عبر «الفاكس»، وبفضله كانت تصلنا في نيقوسيا بيانات (ق.و.م)، ونعيد نشرها، بعد إيصالها إلى القيادة في تونس، كما وتوزع بيانات القيادة عن الانتفاضة.
إلى ذلك، كان بريد المجلة في إصدارها البيروتي إلى مكاتب المنظمة ومشتركيها القلائل، غير بريدها المنتظم القبرصي، وشبكة توزيعها الواسعة عالمياً. كانت المجلة تعبوية في إصدارها البيروتي، وصارت مهنية وفنية، حيث واكبت الصورة الحية مقالاتها، عبر الاشتراك بوكالات الأنباء العالمية المصورة، وخاصة وكالة «سيبا برس» الممتازة بصور «سلايدز» أو الشفافيات. كان هذا أمراً جديداً في صحافة قبرص ومطابعها.
بفضل هذه الصور، أمكن بناء على اقتراح من مقاتل بيروتي، صار خبير طباعة في بريطانيا، نشر غلاف مزدوج للمجلة عن وقائع الانتفاضة بشكل ملصق «بوستر» كان يُزيّن جدران بيوت طلاب فلسطين في العالم، لأن الصورة خير من مقال كما هو معروف.
إلى ذلك، كانت تصلنا في نيقوسيا عبر البريد مجلة «البيادر السياسي» المقدسية، التي كان يرئسها الزميل جاك خزمو (رحمه الله)، فتعيد نشر صور لشهداء الانتفاضة في الغلاف الداخلي قبل الأخير، تحت عنوان ثابت، هو «كوكبة من شهداء الانتفاضة».
كانت المجلة تُعنون مجريات الانتفاضة تحت عنوان «حرب الاستقلال» حتى قبل إعلان استقلال فلسطين الذي صدر في قصر الصنوبر في الجزائر، فعلّق رئيس الوزراء الإسرائيلي، آنذاك، يتسحاق شمير: إن كانت مجلة المنظمة تصف الانتفاضة بأنها حرب فسنخوضها كحرب. ربما لهذا، قال وزير الدفاع يتسحاق رابين لجنوده: حطّموا عظام رُماة الحجارة!
خلال الانتفاضة كنا نرسل أعداد المجلة إلى إسرائيل، عبر البريد، وهذا لم يكن ممكناً في إصدارها البيروتي، وإلى القدس، أيضاً، وكانت تُوزّع سرّاً في بقية الأراضي المحتلة، تحت طائلة عقوبة الحبس نصف عام.
صارت المجلة المركزية للمنظمة، وكأنها المجلة المركزية للانتفاضة، وأمكن نشر صور قادتها السياسيين غلافاً لكثير من أعدادها، مثل فيصل الحسيني، وحيدر عبد الشافي، وحنان عشراوي، وحتى شهادات مثقفين عرب عن الانتفاضة، مثل غلاف خاص لسعدي يوسف وغيره.
هذا الأمر شكل نوعاً من الحساسية لبعض قادة الصف الثاني في «فتح» المتواجدين في قيادة المنظمة في تونس، حيث كانوا يقولون «قاوم» ونكتبها «ق.و.م».
كان الدعم المالي من المنظمة في تونس إلى قيادة الانتفاضة يمر عبر تحويلات من قبرص، لكن محاولة إسرائيلية ـ أميركية لتجفيف المنظمة انعكست على ميزانية المجلة، ومن ثم رواتب محرّريها، وأيضاً تقليص عدد صفحاتها في السنوات الأخيرة من الانتفاضة، فتمّ صرف عدد من موظفيها الإداريين القبارصة: (سكرتاريا، وسائقين، وموظفي أرشيف إداري)، وأيضاً توقف جمع أفضل المقالات المنشورة في أعداد المجلة، أو استكتاب محرّريها في كتب خاصة شهرية عن الانتفاضة.
وجه المفارقة أنه في الإصدار القبرصي طيلة 13 عاماً، صار ممكناً أن نلتقي بشخصيات سياسية وصحافية فلسطينية في إسرائيل، أو استكتابها في مقالات، لكن هذا كان محالاً في استكتاب شخصيات في الأرض المحتلة.
كانت المجلة تصدر بشكل جريدة يومية خلال حرب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وكان طاقم الجريدة والمجلة آخر من يغادر بيروت على ظهر السفن. لكن عندما توقفت المجلة عن الصدور في نيقوسيا، زارنا الملحق الثقافي في السفارة الأميركية. سألنا: هل التوقف نهائي؟ لماذا؟ لأن مكتبة الكونغرس ستتوقف عن جمع أعداد المجلة في أرشيفها؟
***
في ذكراها الـ 33، نشر العديد من قيادة الصفّ الثاني للانتفاضة، انتقاداتهم للقيادة الأوسلوية، لأنها أنهت الانتفاضة. لا بأس من مقتطفات من شهادة الزميل خالد جمعة:
«أحد القياديين (في الانتفاضة) قال بعد أسبوع من اندلاعها: إذا استمرت التظاهرات بهذا الزخم، فستنسحب إسرائيل من غزة»!
«بدأت وتيرة الانتفاضة بالانخفاض خلال شهرين، لكن إسرائيل لم تكن تعرف بأن اغتيالها لخليل الوزير سوف يشعل الانتفاضة من جديد».
«في سنتيها الأخيرتين، بدأت الانتفاضة تشكل عبئاً على الناس، بعدما تشكلت ظاهرة المطاردين، ولم يكن كل المتظاهرين يستحقون المطاردة. بدأنا نسمع عن جبايات من التجار، وإعدامات لمن يُقال إنهم عملاء دون التحقق من الأمر».
«بدأت الانتفاضة تفقد ألقها بعد أن دخل السلاح الناري في نشاطاتها، وبدأ كل تنظيم يعمل لصالح ذاته، ففقدت شعبيتها وطابعها السلمي، وفي النهاية أثمرت عن مفاوضات لم يعد يعلم عنها شيء.
***
إلى ذلك كان هناك الغزو العراقي للكويت، وكذلك بداية الانهيار السوفياتي. كان مؤسفاً ومؤلماً أن يحضر وزير خارجية روسيا مؤتمر مدريد، وكأنه حاضر ـ غائب.