بقلم - حسن البطل
وجد صديقي الشخصي، وزميلي في صفحة «آراء الأيام»، عبد المجيد سويلم، غلوّاً تفاؤليّاً في مقالتي المعنونة: من «ربيع لبنان» هبّت رائحة انتصار.
قلت «رائحة» وعنيت بها انتفاضة تشرين، ذات الشعار: «كلّن يعني كلّن»، فهل آن أوان بدء خلع شعب انتفاضة سلمية لا طائفية ما يشبه «حذاءً حديدياً» هو كناية عن «الصيغة» اللبنانية الطوائفية؟
زميلي سويلم يستصعب استسلام أمراء «الطربوش» الطائفي، ودول إقليمية وحتى دولية، لنجاح انتفاضة لبنانية، عدّها زميلي كأوّل ثورة ديمقراطية عربية، شعارها: «كلّن يعني كلّن».
كما تعرفون، ففرنسا بلاد البروتوكول، منذ كانت الفرنسية لغة الدبلوماسية العالمية، في قرون خلت. لكن زيارة الرئيس الفرنسي، مانويل ماكرون ، لم تكن وفق قواعد بروتوكول الزيارات السياسية الرئاسية. في الزيارة الأولى التقى الناس في الشوارع أولاً؛ وفي الثانية التقى فيروز، أيقونة لبنان، وأوسمها أعلى وسام فرنسي.. وسيعود في زيارة ثالثة في كانون الأول بعدما عقد في ختام زيارته الثانية، مؤتمراً صحافياً طويلاً وغير بروتوكولي.
في المؤتمر، وضع ماكرون «خارطة طريق» للبنان الجديد، أو للجمهورية اللبنانية بالأحرى. في هذه الخارطة أن حكومة لبنانية جديدة ستتشكل خلال أسبوعين، وعليها أن تنفذ برنامجها الإصلاحي في غضون ثمانية أسابيع، أجلها نهاية تشرين الثاني.. وسيعود «حكمدار» لبنان الجديد في كانون الأول لزيارة ثالثة ليرى تنفيذ «خارطة الطريق»، وإلاّ ستكون هناك عواقب.
لماذا قلت «حكمدار» جديد؟ سبقه «حكمدار» سوري، هو نائب الرئيس عبد الحليم خدام، الذي استخفّ بشباب لبنان بوصفهم روّاد الحانات ومراقص «الديسكو»، ومن قبله راهنت إسرائيل الشارونية على «حكمدار» بشير الجميّل، صاحب اتفاقية «صلح خلدة».
في عرضه لخطوات «خارطة طريق» وصفها في مؤتمره الصحافي الاستثنائي المنفرد بمرافقة لبنان إلى المستقبل، قال ماكرون إنه أخذ تعهدات قبولها الإصلاح الجذري من جميع القوى السياسية، وأن قوانين الإصلاح ستقدم إلى البرلمان لإقرارها، وهي تشمل البنك المركزي والنظام المصرفي.
ستقترح فرنسا مؤتمراً للأمم المتحدة، يعقد في تشرين الأول لتعويم الاقتصاد المنهار مشروطا بشفافية الدعم، ومشاركة المنظمات غير الحكومية، وأيضاً بمساهمة 800 جندي فرنسي في التنسيق مع المجتمع المدني.. وهذه المرة، فإن التحقيق في كارثة الميناء يجري بشكلٍ جيّد. خلافاً لتحقيقات لفلفة سابقة، بما فيها على الأرجح تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في اغتيال رفيق الحريري.
كان الرئيس ميشال عون أوّل من أعطى إيماءة قبول، حتى قبل إعلان ماكرون خطوات خارطته، علماً أن لفرنسا فضلاً عليه لاجئاً سياسياً لها، بعد فشله في حرب الدينكوشوتية، بوصفه عماد الجيش، ضد الاحتلالات كافة: السورية، والإسرائيلية، وحتى ضد الميليشيات العسكرية المارونية.
بعض الناس، خارج لبنان، يجهلون أن الاقتتال الطوائفي لم يجر فقط فيما بينها، بل في كل طائفة، أيضاً، منذ «عاميّة أنطلياس» وهي ثورة الفلاحين الموارنة ضد الإقطاعيين، إلى اقتتال الميليشيات المارونية فيما بينها في الحرب الأهلية الأخيرة، إلى اقتتال داخل الميليشيات الإسلامية السنّية (المرابطون والحزب السوري القومي) وأخيراً، غزو «حزب الله» لبيروت الغربية السنّية.
حصل أن انشقت حكومات لبنانية على بعضها لأسباب طوائفية. وأيضاً انشق الجيش اللبناني على نفسه «جيش لبنان العربي»، و(جيش أنطون لحد وسعد حداد الموالي لإسرائيل).. لكن البرلمان الطائفي لم ينشق على نفسه، وإن نقل مقرّه الرسمي، في ساحة النجمة، خلال الحرب الأهلية إلى معبر «المتحف» بين بيروت الشرقية والغربية، وعاد إلى مقره الرسمي.
قلت: «رائحة انتصار» لأن شعار «كلّن يعني كلّن» بدأ بهتاف «طلعت ريحتكم»، وستشكل «خارطة طريق» «حكمدار» لبنان الجديد، إيمانويل ماكرون ريحاً مواتية لاستمرار ثورة 17 تشرين السلمية الشعبية، لأن تعويم لبنان بمساعدة دولية سيتم من فوق ظهر إدارة فاسدة، وبمشاركة المنظمات غير الحكومية، أي الخبراء المحايدين، وأيضاً انتفاضة تشرين، وجماهيرها رفعت العلم الوطني اللبناني وحده، دون شريك لرايات ميليشيات الطوائف.
للبنان أجمل نشيد عربي وطني: «كلّنا للعلم/ للعلا للوطن/ ملء عين الزمن سيفنا والقلم»، وله أجمل الأعلام: أرزة لبنان الخضراء جذرها ورأسها يلامس خطّين أحمرين.
خلافاً للنشيد والعلم، فإن لبنان الطوائفي صار وكأنه «كلّنا عَ الوطن». غرق «الربيع العربي» في الخراب والدمار والسواد، لكن ربيع لبنان قد يكون بشارة ربيع عربي جديد.
صيغة لبنان أصابتها انتفاضة تشرين بجراح ثخينة، قد لا يشفيها «حكمدار» ماكرون.