بقلم - حسن البطل
بين العام 2000 والعام الذي يليه 2021 عقدان من الزمن. العام الأول كان بهيجاً، إذ خرج بسلام من المعضلة الصفرية الثلاثية لحواسيب عالم رقمي. ندخل العام 2021 مع خمسة أو سبعة لقاحات لجائحة الـ»كورونا»، ومع دخولها تحوّر هذا الفيروس، وأدخلنا في موجة ثالثة.
مع نهاية قرن وبداية قرن انتقلنا، كعرب ومسلمين، من قسمة العالم إلى «دار حرب» خارجية و»دار سلام» داخلية إلى واقع معكوس حيث صارت بلاد العرب والمسلمين هي «دار حرب» بمزيج مركّب من التعريب والأسلمة.
لعلّ أفغانستان في قلب آسيا، واليمن في طرفها الشرقي تشكلان مختبرين ونموذجين لأسلمة الحرب وتعريبها، فقد كانت بلاد خيبر وبلاد ما كان «اليمن السعيد» سابقاً ترفلان بالعيش قلاعاً منعزلة في زمن القرون الوسطى، وكان هذان البلدان عصيّين على جيوش الإمبراطوريات، ومقبرة للغزاة. الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس فشلت في كسر شوكة بلاد خيبر، والإمبراطورية العثمانية فشلت في كسر بلاد ما كان «اليمن السعيد» وصار اليمن الأكثر تعاسةً عالمياً.
كان يحكم أفغانستان المنعزلة الملك ظاهر شاه، ويحكم بلاد اليمن الإمام حميد الدين، إلى أن جاء الجنرال بابراك كارمال، محمولاً برياح الانفتاح، ومدعوماً من الاتحاد السوفياتي؛ وإلى أن جاء العقيد عبد الله السلّال، مدعوماً بالجيش المصري.
ما كان يوصف بالإمبريالية الأميركية خشيت الامتداد الشيوعي، في الحرب الباردة، فقد كانت ترفع شعار «فتنمة» حربها وفشلت بفضل هوشي منّه والجنرال جياب، المدعومين من الصين والاتحاد السوفياتي، فلجأت إلى «أسلمة» الحرب عن طريق «المجاهدين الأفغان» المدعومين بمال وعناصر دول الخليج، ثم لجأت في اليمن الذي كان إمامياً ظلامياً يحكمه الإمام يحيى حميد الدين، وصار جمهورياً يحكمه العقيد عبد الله السلّال، إلى «تعريب» الحرب.
نتيجة أسلمة الحرب في أفغانستان ضد شيوعية كافرة هزم الجيش الأحمر السوفياتي، وفي نتيجة تعريب الحرب في اليمن انسحب الجيش المصري منها، بعد الهزيمة العربية المدوّية في «حرب النكسة»، لكن مصر الناصرية تمكنت من هزيمة الاستعمار البريطاني بجنوب اليمن الذي صار اشتراكياً، وبعد نزاع داخلي تم تحقيق الوحدة اليمنية من جهة؛ وتسوية سعودية ـ مصرية، أبقت اليمن الموحّد أوّل جمهورية في شبه الجزيرة العربية، لكن مع «فيتو» ضد انضمامها إلى مجلس التعاون الخليجي السداسي.
انقلابات عسكرية تلو الأخرى في اليمن، التي ظلت موسومة بتعاطي شعبها هذا «القات» مخدراً خفيفاً، وانقلابات تلو الأخرى في بلاد خيبر، والتي ظلت، خاصة بعد انتصار «الطالبان»، بلاد الأفيون والحشيش لتمويل حربها الجديدة هذه المرة ضد الولايات المتحدة.
حصل تغيير كبير في حروب التعريب والأسلمة بعد الثورة الإسلامية الإيرانية، وأضيف إلى الأسلمة والتعريب نزاع مذهبي سنّي ـ شيعي، خاصة بعد موجة «الربيع العربي» من جهة، وخوف أميركا من تحول إيران الإسلامية إلى دولة نووية، مدفوعة بخوف إسرائيلي بالذات، وصار لإيران امتدادات في العراق وسورية ولبنان، لكن امتدادها إلى اليمن عن طريق أتباع عبد الله الحوثي، دفع دول الخليج ذات الغالبية السنّية إلى تدخل سعودي في حرب التعريب ذات النزاع المذهبي الإسلامي.
إلى ذلك، دعمت دول النفط الخليجية، إضافة إلى دعمها للمجاهدين الأفغان، التمرد الشيشاني السنّي ضد الاتحاد السوفياتي الشيوعي، لكن هزيمة هذا التمرد بالبطش الروسي الشديد، أدى إلى انضمام مقاتلي الشيشان إلى الظاهرة الداعشية، خاصة في سورية.
من أجل تسويغ وترويج فكرة تحالف غريب سنّي ـ أميركي ـ إسرائيلي ضد إيران الشيعية، رعت أميركا الترامبية موجة أعلى من التطبيع الخليجي مع إسرائيل، وهي تحاول من أجل تعميم التطبيع إنهاء الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي من جهة، وتخليص السعودية من التورط في اليمن.
في النتيجة الماثلة، انقسم العالم العربي بين دول تسمي نفسها «ممانعة» وأخرى تسمى دولا «مطبّعة»، وهو انقسام بدأ بعد «كامب ديفيد» المصري ـ الإسرائيلي، وازداد بعد الاحتلال الأميركي للعراق، الذي يشهد حالياً تنافساً إيرانياً ـ أميركياً على النفوذ فيه، بينما تشهد سورية تجاذباً متعدد الأطراف على النفوذ فيها، خاصة تجاذبا روسيا ـ أميركيا ـ إيرانيا ـ تركيا، بما أنهى دور دول الركيزة العربية.
تعاني فلسطين السلطوية ـ الأوسلوية من تعريب وأسلمة الحروب، وخاصة من إضافة النزاع المذهبي، وهي ليست سليمة من تأثيراتها منذ العام 2007، حيث بدأ الانقسام الفلسطيني، ويبدو أن رأب صدعه وإنهاءه صار مشروطاً، بإنهاء حروب التعريب والأسلمة والمذهبية، أيضاً، لأنها تعيق صراعها الوطني.
في الشعار توصلت فلسطين السلطوية إلى القرار السياسي الوطني المستقل، هذا من حيث الشعار خلاف دول الجوار العربي القريب والبعيد، لكن تحويل الشعار إلى واقع دولة وطنية مستقلة مسألة أخرى، ذات صلة بإنهاء مرحلة النزاعات العربية والإسلامية والمذهبية.. قبل أن يكون الأمر متعلقاً بالسياستين الأميركية والإسرائيلية إزاء حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.