على مقاعد الصف الخامس

على مقاعد الصف الخامس

على مقاعد الصف الخامس

 صوت الإمارات -

على مقاعد الصف الخامس

حسن البطل
بقلم - حسن البطل

«عضلة القلب» من عمل التلميذ أحمد، و»الجمجمة» من عمل زميله خير الدين.. و»الجهاز العصبي» من عمل زميلهما محمد. الأعمال معلّقة على جدران الصف الخامس، في مدرسة بيرزيت الأساسية للذكور.
.. وأنا الذي كنت في الصف الخامس، منتصف الخمسينيات، أجلس، مرّة أخرى، على مقاعد الأولاد في قاعة الصفّ، وكنّا نسمّيها «الرِّحلاي» ولعلّها من «الراحلة « أيّ المطيّة، أي أيّ دابّة من الدّواب.
«العمر أولاد هربوا من القبلة».. أو أولاد شرفتني إدارة المدرسة بالوقوف مع مدير المدرسة الأستاذ بدر شريتح، وهيئة التدريس، لتسليم «كومة» من جوائز التفوق على طابور من الأولاد الشاطرين.
هذا الامتياز أنعش جهازي العصبي وعضلة قلبي.. ودماغي، خصوصاً عندما بكى غلام في الصفِّ السّادس «المتخرّج» وقد ارتدى زيّ الأمير، ولكن المرتبة الأولى خطفها تلميذ منافس، ربّما بالقرعة بعد تساوي العلامات.
المدير السابق للمدرسة، الأستاذ وليد، أدارها عشرين عاماً.. ربّما بعض تلاميذه يدرسون في جامعة بيرزيت القريبة، وكل ما في المدرسة، من باحة مرتبة لتكون ملعب كرة سلة أيضاً، إلى أصص زهور صناعية في الشرفات، إلى مجلس الآباء تحمل بصمات المدير السابق وليد، أو مربي الأجيال، الذي سلّم المدير الجديد، الأستاذ بدر أمانة إدارة المدرسة الأساسية، وتطويرها لتكون نموذجية.
فوجئت أن زميليّ في القسم الرياضي لـ «الأيام» محمود وإياد، زميلان أيضاً في الهيئة التدريسية: الأوّل معلّم لغة عربيّة؛ والثّاني معلّم رياضيّات.
الولد حسام، ابن زميلي فيصل قرقطي، حاز المرتبة الأولى على الصفِّ الخامس (وللمرّة الخامسة). نظرت في لائحة علاماته فكانت كالتالي: في تسع مواد حاز درجة ممتاز وفي المادة العاشرة درجة جيّد جداً.. ومعلّموه نجحوا معه أيضاً فقد حاز علامة ٩١ في العربية، بينما ولد في تونس، ودخل صفَّه الأوّل في قبرص في مدرسة إنكليزيّة اللغة (٩٩ علامة). أما في اللغة الفرنسيّة، فعلينا أن نشكر المدير السابق وليد الذي أدخلها لغة أجنبيّة ثانية.
اقترحتُ على المدير الجديد فكرة تطوير نشاطات لا منهجيّة، فبإمكان محرِّرنا الرياضي أن يلقي محاضرة بسيطة وشيِّقة عن الرياضة، وزميلي الشاعر درساً في الإلقاء الشعري، وطرائف الشعراء الأقدمين.. ما دام هؤلاء الآباء أعضاء في مجلس الآباء.
التلامذة: أحمد، محمد، وخير الدين صعدوا صفّاً، وبقيت أعمالهم معلَّقة في الصفِّ القديم.. الذي سيغدو المدرسة القديمة. كم أودّ لو أزور «مدرسة سيف الدولة الابتدائية الزراعية للبنين» في ريف دمشق، وألقي نظرة على وجهي كما كان في «الصورة التذكارية» لـ «خرِّيجي» الصفِّ الخامس.
حسناً، فعل عبد الجواد صالح، عندما ناضل لتحويل «المدرسة الهاشمية» في البيرة إلى مركز «بلدنا» للفن الشعبي. بدلاً من هدمها وبناء عمارة تجارية مكانها.
* * *
لديّ «شهادة» معلَّقة في غرفة أولاد صافي صافي، ابن بيت نبالا، وهي مقالتي (الثلاثاء ٢٨ / ٤ /١٩٩٨، العدد ٨٢٤)، بعنوان «النبالي الصغير» التي كتبتها عنه وعن ولده عندما تعارفنا في الشارع الرئيسي لرام الله، وكان صافي صافي منهمكاً في لجنة نكبة أعدّت لها «جمعية بيت نبالا الخيريّة».
في الشارع ذاته، أمس، استوقفني صافي صافي، فإذا بي أمام «عائلة نبالية» من ستة أنفار (مع الأبوين) وفي أيدي الجميع قرون بوظة.. وقال لي: «النبالي الصغير» عن «برواز» معلَّق في غرفة الأولاد، إلى جانب صور عن «بيت نبالا».
خجلي غالب فخري، وإحساسي بمسؤولية الكلمة في نقش وعي الصغار غلب الخجل والفخر.
قبل أقلّ من خمسين عاماً كنت في عمر أولاده، وكنت أحلم بفلسطين وأبيع قرون البوظة أيضاً في حَواري قرية في المنفى السوري.
«العمر أولاد..».. وابنتي الكبرى توشك على التخرُّج من الجامعة، وثماني عيون «نبالية» لأولاد صغار تحدِّق في هذا «الأستاذ» الذي شرَّفوه.. وجعلوا مقالته صورة في «برواز»!
* * *
من تسليم شهادات للأولاد، إلى تعليق «شهادتي» في غرفة أولاد، وضعني طلاّب قسم الصحافة في جامعة بيرزيت على... «المشرحة».. فقد صارت مقالاتي موضوعاً للدراسة، ولاستطلاع الرأي.. وهكذا غدوت «كلاسيك».. بعدما، كنت قبل أربعين عاماً، مجرّد تلميذ شاطر، يقرأ أستاذ العربية مواضيعه على صفوف المدرسة في مادة «الإنشاء» و»الوصف».
أما طالبة قسم الصحافة عبير فتسألني عن «سر الأسلوب» في الكتابة الصحافية.. وأنا لا أدري ماذا أقول.. وربّما لأنّني أقارن بين «عضلة القلب» كما يرسمها ولد في الصفِّ الخامس.. وصورتها في أطلس طبّي.. وذلك الإحساس عندما جلست في عمر الخمسين على مقاعد أولاد الصفِّ الخامس.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على مقاعد الصف الخامس على مقاعد الصف الخامس



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 22:12 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

الإمارات تقدم مساعدات إنسانية لدعم الأمن الغذائي في تشاد
 صوت الإمارات - الإمارات تقدم مساعدات إنسانية لدعم الأمن الغذائي في تشاد

GMT 21:03 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان
 صوت الإمارات - عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 02:40 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 09:01 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 17:54 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

زيت النخيل مفيد لكن يظل زيت الزيتون هو خيارك الأول

GMT 04:49 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

وحيد إسماعيل يعود لصفوف الوصل

GMT 19:51 2019 الأحد ,13 كانون الثاني / يناير

شركة "سامسونغ" تحدد موعد إطلاق أول هواتفها القابلة للطي

GMT 22:19 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف إلى خطة مدرب الشارقة لمواجهة الوحدة

GMT 03:33 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

لقاء ودي بين محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي

GMT 02:31 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

كيف تحمى طفلك المريض بضمور العضلات من الإصابة بفشل التنفس ؟

GMT 03:01 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

معرض جدة الدولي للكتاب يسدل الستار على فعالياته الثلاثاء

GMT 11:49 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

بلدية العين تنفذ حملات تفتيشية على 35 مقبرة

GMT 21:50 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

جينيف سماء ملبدة بغيوم الحنين والبهجة

GMT 22:54 2013 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

"سامسونغ" تُطلق ذراع تحكم بالألعاب لهواتف أندرويد

GMT 10:58 2013 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

"كلاكيت" رواية جديدة للكاتب محمد عبد الرازق
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates