بقلم علي الأمين ـ صوت الامارات
لم تكن الحكومة الهزيلة المتهالكة قبل أوانها، تنتظر “استجداء” الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الدعم “الداخلي” أمس بعدم التحريض عليها بأنها حكومة “حزب الله” (وهنا يُقر بأنها تهمة حقيقية مؤذية) من أجل أن يرضى عليها “الخارج”، لتظهر انها وعلى الرغم من حاكمها “القوي”… “على الأرض يا حكم”!ليس خفيّاً ان الرسائل الخارجية التي أعقبت تشكيلة حكومة الرئيس حسان دياب، غير مشجعة ولو كان من موقف عربي أو غربي إيجابي من هذه الحكومة، لكان أعضاء الحكومة ورئيسها ومشكلوها “يطنطنون” اليوم بهذا الموقف، لإظهار الترحيب الخارجي بهذا المولود الجديد. والحاجة الى رصد الموقف الدولي وتتبعه في هذا الشأن، يفرضه واقع الحال المالي والاقتصادي والنقدي المأزوم، وحاجة لبنان كما أشار زعيم “حزب الله” نصرالله في خطابه امس، عبر اشارته الى “التحريض” الذي يقوم به بعض اللبنانيين ضد الحكومة خارجياً، عبر تسميتها بـ”حكومة حزب الله”. اذاً نصرالله نفسه ينتظر ويترقب موقفاً دولياً وعربياً مرحباً بهذه الحكومة، لإدراكه أن إنقاذ الدولة من الانهيار يتطلب دعماً خارجياً ولا يمكن للبنان أن يخرج من أزمته من دونه.
وما يعزز حتمية المساعدة الخارجية للخروج من الأزمة، ما قاله نصرالله بوضوح إنّ على الجميع من السياسيين أن يتوقف عن الاتهامات المتبادلة، من دون أن يدعو الى أي محاسبة أو محاكمات تتطلبها أي عملية خروج من مسار سيئ الى مسار جيد في إدارة شؤون الدولة، قال ضمناً عفى الله عما مضى، لم يشر الى الأموال المنهوبة، لم يتطرق الى المسؤولية التي تقع على عاتق من جعل لبنان في وضع لا يحسد عليه، طالما أنه كان يتحدث ويدعو الى “المقاومة الشاملة” التي تتجاوز المقاومة المسلحة، ومقتضى هذه المقاومة التي نظّر لها في خطابه امس، أو بالأحرى عاد ليتبناها لفظياً، أن تكون حاسمة في معاقبة من أوصلوا البلاد الى هذا الدرك، طالما أنه هو نفسه اعتبر في خطابه السابق ان الفاسد هو كالعميل للعدوّ.
النمط التلميعي الذي تشكلت الحكومة على أساسه، عبر الاتيان بست سيدات الى مناصب وزارية، وتنصيب وزراء من حملة الجنسيات الأميركية ومن طابع اختصاصيين على وجه العموم، هذا النمط لم يمر على الشعب اللبناني، وان كان يمكن لنصرالله وللاعلام المقاوم ترويج ان هذه الحكومة هي ليست حكومة “حزب الله” لدى بعض الجماعات اللبنانية، ويمكن القول في هذا السياق، إنّ بعض اللبنانيين يحرضون على هذه الحكومة لدى الخارج وأيّ خارج؟ العرب المتآمرون والشيطان الأكبر يا للمفارقة… لندع ذلك جانباً لكن من التبسيط غير المقبول أن يخرج السيد نصرالله ليحيل موقف الدول الخارجية من الحكومة الى موقف هذا السياسي او ذاك الصحافي، فحكومة مردودها السياسي العميق لـ”حزب الله”، وبالتالي لإيران، لا تحتاج من الدول الخليجية او الأوروبية وقبلهما الإدارة الأميركية، الى موقف هذا الطرف او ذاك لتعرف المضمون السياسي العميق لهذه الحكومة. فهذه الدول بخلاف بسطاء الناس، تعرف ان “حزب الله” امسك بلبنان منذ سنوات بخيوط خفية، وسيطر على مفاصل القرار ويتحكم بالخيارات الاستراتيجية والأمنية وحتى في نظام المحاصصة الذي تجلى بشكل كبير في عهد الرئيس ميشال عون.
المسألة لا تحتاج الى دعوة نصرالله للذين خرجوا من الحكومة والذين يشاركون فيها، ان يدعموا الحكومة أو ان لا يعرقلوا عملها، فكل ذلك يصب في محاولة الالتفاف على واقع مكشوف لهذا الخارج الذي دفعت الناس ثمن سياسات الفساد والافساد، ان تقف الدولة مستجدية على ابوابه العون في زمن الرئيس ميشال عون، في الوقت الذي لا يريد حاكم الدولة أن يحاسب ايّ فاسد، بل أن لا يفسر كيف أن خياراته السياسية الداخلية والخارجية لم تكن تتحسب لهذه الازمة التي كانت متوقعة بسبب حماية مسار الانهيار المالي والاقتصادي من قبله أولاً وشركائه في السلطة التي تحولت الى مغانم ومكاسب على حساب الشعب؟
قبل أيام استحضر الأمين العام لـ”حزب الله” افتراضياً ملك الموت وقال في مقابلة مع تلفزيون العالم حول الراحل قاسم سليماني، إنه لو خيّره ملك الموت بين ان يقبض روحه او روح سليماني لاختار ان يكون هو أي نصرالله من يفدي سليماني. وعلى هذا المسار لو خيّر نصرالله بين التنازل عن مكتسبات تتصل بالسيطرة الحزبية على مفاصل القرار في الدولة في مقابل لجم الانهيار المالي والنقدي، او الإبقاء على هذه المكاسب مع استمرار الانهيار فماذا يختار؟
واضح ان “حزب الله” اختار حماية المكاسب الحزبية التي حققها في السيطرة على لبنان، ورفض حتى فكرة تشكيل حكومة من المستقلين كان يمكن أن تحدث صدمة إيجابية داخلية وبالتأكيد كانت ستلقى تعاوناً دولياً وعربياً، لكن “حزب الله” لا يلائمه أن تنجح حكومة مستقلين على حساب مكاسب يعتبرها مقدسة في السيطرة والتحكم في لبنان، في المقابل كيف ينتظر نصرالله وحلفاؤه في هذه الحكومة التي ولدت ميتة، أن تحظى بعطف خليجي ودعم أميركي ورعاية أوروبية؟ الحل الوحيد الذي تقترحه هذه الحكومة بطبيعتها وليس بارادتها، هو الكارثة. لقد بات الضوء الوحيد، في ظل موقف خارجي غير مرحب عملياً، ومع مزيد من انكشاف لعبة التخفي لدى اقطاب السلطة عن تحكمهم بقرارات هذه الحكومة، وفي ظل إصرار “حزب الله” على حماية شبكة السلطة الفاسدة التي قام نفوذه وسطوته على الدولة عبرها، وهذا قرار اتخذ في طهران وينفذ في لبنان.