سلطة مربكة أمام ثورة جيل صاعد

سلطة مربكة أمام ثورة جيل صاعد

سلطة مربكة أمام ثورة جيل صاعد

 صوت الإمارات -

سلطة مربكة أمام ثورة جيل صاعد

بقلم : علي الأمين

هذا هو السؤال الذي لم تتضح الإجابة عليه بعد منذ انفجار الاحتجاجات في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. فالمشهد اللبناني الذي خرج على شكل انتفاضة أو ثورة منذ نحو عشرين يوما، أطلق جملة مؤشرات سياسية وثقافية واجتماعية، لم يسبق أن تمثلها مشهد احتجاجي أو مظهر سياسي، منذ نشأة لبنان قبل مئة عام إلى اليوم.

لعل السّمة المدنية والامتداد الجغرافي والتنوع الطائفي واللغة الواحدة والصرخة المشتركة، هي أبرز سمات الاحتجاجات المستمرة ضد السلطة السياسية بمختلف مكوناتها، بل الثورة على معادلة السلطة بما هي عنوان لتقاسم النفوذ والثروة الوطنية من قبل أطرافها، التي تعزز نفوذها على مسار تهميش الدولة وانتهاك الدستور والقانون، عبر الإعلاء من شأن الانتماء العصبي الطائفي أو المذهبي والحزبي الفئوي.

وهي ثورة قبل ذلك، بل إن جوهر الثورة اللبنانية اليوم، يكمن في الثورة على الذات، بمعنى أن اللبنانيين ثاروا على كل انتماء يعلو على الانتماء الوطني. كان مشهد الاحتجاجات في طول لبنان وعرضه، تعبيرا عن التقاط اللبنانيين على وجه العموم، حبل الخلاص المشترك والذي مثلته الهوية الوطنية أو تلك المواطنية التي استعادت معناها في تلك الجموع اللبنانية المليونية، التي أعادت الاعتبار لها.

رمت الاحتجاجات خلف ظهرانيها، كل العصبيات التي كانت مفاتيح استلحاقها السياسي، ومصدر نفوذ سلطة استبدت وأفسدت وأهانت عقول اللبنانيين واستهانت بهم. الثورة هنا في هذا الخروج من سجن العصبيات القاتلة إلى رحاب المواطنية، التي تعيد للإنسان مكانته وتفرض على السلطة شروطا جديدة، بل تعيد للعقد الاجتماعي مكانته الحقيقية وتوازنه بين السلطة والشعب.

بهذا المعنى تبدو السلطة في لبنان وفي أكثر التوصيفات رأفة بها أنها مربكة، هي لم تعتد على هذا النمط العابر للطوائف والانتماءات الحزبية، من الاحتجاج، ولم تألف تلك اللغة التي يطلقها المحتجون في وجهها، إذ طالما كانت الطائفية أداة السلطة في لجم الاحتجاجات أو إدارتها. أما اليوم فتلك الوسائل التقليدية تبدو غير مجدية لاستيعاب هذه الانتفاضة.

وفي تفسير آخر فإن السلطة لا تريد أن تنجر إلى مسرح الثورة، ولا إلى لغتها أو منهج التفكير الجديد الذي أطلقته في مقاربة الشأن السياسي والحقوقي. فالتسليم بهذه اللغة الجديدة هو نهايتها، باعتبار أن ذلك سيفكك نظام مصالح قوي وراسخ في بنية السلطة، نظام مصالح طائفي زبائني، كان أساس نفوذ أطراف السلطة ومصدر قوتهم.

تدرك السلطة أنها تنتحر فيما لو انحازت إلى لغة الثورة وهو ما لا يمكن أن تقدم عليه.

استقالة الحكومة اللبنانية، هو نتاج الثورة وتحقيق لمطلب أول رفعه المحتجون، ولكن هذه الاستقالة لم تثمر تهدئة الجموع المنتفضة في طول لبنان وعرضه، بل زادت من التمسك بمطلب ثان لديها، أي تشكيل حكومة مستقلة ومن خارج الطبقة السياسية الحاكمة، تمهد لانتخابات نيابية مبكرة، بعد إقرار قانون انتخابي عادل.

أطراف السلطة بدت مصرة على استدراج الجموع المحتجة إلى الملعب القديم الذي هجرته، أي الملعب الذي يدار بالعصبيات الطائفية. عمدت السلطة بكافة فروعها إلى محاولة استثارة نعرات مذهبية وطائفية من خلال تعظيم دور بعض أطراف السلطة في الثورة أو من خلال التحريض داخل البيئة الشيعية بأن هذه الثورة تستهدفهم وتستكمل المؤامرة الأميركية والصهيونية على الشيعة وعلى المقاومة.

كل تلك الأساليب إلى جانب العنف الميليشياوي، الذي مورس على المعتصمين في صور والنبطية وفي بيروت، بحجة أن المحتجين أهانوا رمزي الثنائية الشيعية حسن نصرالله ونبيه بري، لم تنفع أصحابها، بل زادت من الغضب. لم ينجر المحتجون إلى التحريض المتبادل، لإدراكهم أن السلطة لم يعد لديها ما تقوله، سوى أن المحتجين يشتمون هذا الزعيم أو ذاك.

المطلب شديد الوضوح، وهو تغيير السلطة بعدما أثبتت فشلها وباعتراف أركانها، والتسليم بنتائج الحقيقة المرة والقاتلة التي خلصت إليها السلطة، وبات اللبنانيون يعانون من خناجرها المعيشية والاقتصادية، ومن سموم الفساد الذي يهدد بموت كل ما تبقى من مظاهر الحياة اللبنانية.

كان قيام التيار الوطني الحر بخطوة التجمع الحزبي والشعبي في قصر الرئاسة في بعبدا دعما لرئيس الجمهورية، استمرارا لمحاولة التعامي عن التغيير الذي حققته الثورة في الوعي اللبناني الجمعي.

لم تكن الدعوة الحزبية لإظهار الحضور الشعبي للتيار الوطني الحر، وقبله رئيس الجمهورية، موفقة، بل كانت تعبيرا عن الإرباك لدى الرئيس وتياره، من خلال المعاندة السياسية للمشهد الثوري الجديد، ومحاولة القول إن ثمة ساحة مقابلة لساحات الثورة.

صحيح أن رئيس الجمهورية وصهره الوزير جبران باسيل، حاولا تفادي الاصطدام السياسي بحشود الثورة ومطالبها، إلا أنهما حاولا التنصل من كل موبقات الفساد ورميها على أطراف أخرى شريكة في الحكم، وهو أسلوب يعكس مجددا محاولة إهانة اللبنانيين، الذين يعرفون أن ذلك غير صحيح وهو جريمة أكبر من الفساد نفسه إن صحّ قول الرئيس وصهره، باعتبار أن الشاهد في السلطة على الفساد والساكت عن مواجهته، جريمته أكبر من المرتكب، لأنه سمح له بالارتكاب ولم يعترض عليه على رغم ما يمتلكه من صلاحيات، سواء من موقع رئاسة الجمهورية أو امتلاك التيار الوطني الحر ثلث وزراء الحكومة منفردا، وسيطرته على ثلثي الحكومة مع حلفائه.

لم تفهم السلطة أن الثورة حصلت في وعي اللبنانيين أولا، أو ربما لا تريد الاعتراف بذلك. في كلا الحالين، ثمة إصرار على البقاء في الملعب القديم، الذي يتيح لها، أي السلطة، استخدام وسائل أتقنت استخدامها في إدارة الشأن السياسي، رغم أن الثورة افتتحت ملعبا جديدا، ملعب بقواعد مختلفة وشروط جديدة.

هنا يكمن جوهر الصراع والمواجهة، الذي نقل لبنان من مرحلة اختصاره بمعادلة سياسية طائفية محدودة الخيارات، إلى مرحلة جديدة يفرض إيقاعها جيل جديد من الشباب بات خارج قضبان العصبيات إلى حد بعيد. جيل جديد يفجر مفاجآت كل يوم بقدرته على إحراج السلطة وإثبات عجزها عن مواكبة أسئلته الصادقة والبسيطة والجريئة عن العيش بصفة مواطن في وطن ودولة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سلطة مربكة أمام ثورة جيل صاعد سلطة مربكة أمام ثورة جيل صاعد



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 09:42 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

"بيوتي سنتر" مسلسل يجمع شباب مصر والسعودية

GMT 22:57 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

بن راشد يعتمد 5.8 مليار درهم لمشاريع الكهرباء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates