بقلم - سامي الريامي
وقف «محمد» بزيه الوطني و«عصامته» الجميلة، أمام كشكه الصغير، يبيع خبز «البراتا» مع شاي «الكرك»، لم يختبئ بعيداً، بل يباشر عمله بكل سرور، إلى جانب ذلك العامل البسيط الذي يعد الخبز، فـ«محمد» يأخذ الطلبات، ويشرح للزبائن «المنيو» البسيط، ثم يسجلها بفرح وسرور، «براتا بالجبن»، أو «براتا مع شيبس عمان»، أو «براتا من دون شيء»!
هذا كل ما في الأمر، وهذا هو «المنيو»، لكن ذلك لم يمنع «محمد» من شعوره بالاعتزاز، لقيامه بواجباته كاملة تجاه مشروعه الصغير، بل إنه يحمل الطلب بنفسه، ويذهب به إلى طاولة الزبائن، لتقديمه لهم مع ابتسامة جميلة، لا تفارق وجهه الشاب!
وبالمناسبة.. بعد أن شدني هذا الشاب، الذي لايزال في بدايات عمره، أحببت أن أعرف تفاصيل أكثر عنه، ففوجئت بأنه من عائلة معروفة جداً، وجده أحد أهم وأشهر وأكبر رجال المال والأعمال في الدولة، وهذا ببساطة أمر زاد احترامي لهذا الشاب، حيث كان باستطاعته أن يوظف من يشاء من العمال، ويجلس هو واضعاً قدماً على أخرى لمراقبتهم من بعيد، بل كان يستطيع ألا يدخل في هذا المشروع من الأساس، فلا «البراتا» ولا «الكرك» سيغيران كثيراً أحواله، فهو يستطيع تحصيل دخلهما لمدة عام، لو طلب هذا المبلغ مباشرة من أفراد أسرته!
المهم في الأمر هو وجود هذه النماذج من شباب الإمارات، نماذج تؤمن بأهمية العمل، وتحديداً العمل في قطاع خاص، حيث المشروعات الصغيرة، التي يمكن أن تكبر وتكبر، نماذج لا ترى عيباً في تنفيذ أي فكرة مناسبة ومقبولة، نماذج تمتلك الجرأة في التنفيذ ومباشرة العمل بنفسها، ولا تعتمد على أي شيء آخر، نماذج لا تأبه لأي تعليقات سلبية، ولا تلتفت إلى نظرة المجتمع، فهم على قناعة تامة بما يفعلون، ويمتلكون الشجاعة للمضي قدماً فيه!
الدور الآن على أجهزة الدولة المختلفة لدعم هؤلاء الشباب، فهناك الآلاف غير «محمد» يمتلكون أفكاراً كثيرة، وصفات كثيرة تؤهلهم لبدء مشروعاتهم الصغيرة، لكنهم يفتقدون الدعم الكافي، ولا يجدون الفرصة المناسبة التي تمكنهم من التحليق عالياً بفكرتهم الصغيرة، كما أنهم لا يجدون الدعم الكافي لاحقاً في حالة نجاح فكرتهم، وتالياً يفقدون فرصة استمراريتها ونموها!
هذه المشروعات الصغيرة ليست لعبة، ولا رفاهية، هي واحدة من أهم الخطوات التي يجب أن تحظى بدعم حكومي كامل وشامل، فالوظائف الحكومية محدودة، والمستقبل يحتم على الدولة التفكير في إدخال هؤلاء الشباب إلى القطاع الخاص، كما أن نجاح أي رائد أعمال إماراتي يعني، باختصار، نجاح الدورة الاقتصادية بشكل كامل، وهذا أمر حيوي لابد من التركيز عليه.