بقلم - سامي الريامي
يقول ما يفعل دائماً، ويفعل ما يقول، هو كذلك منذ نشأته، ومنذ توليه أول منصب رسمي، هذا هو ديدن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله، تصريحاته ليست للاستهلاك الإعلامي، ولا هي بغرض الدعاية، ولا يهدف إلى حصد أصوات ناخبين بزيادة جرعة الأماني، ثم ينقلب على من صوَّتوا له، تماماً كما يفعل الساسة في الغرب، وغير الغرب، ممن لا يجيدون سوى فن الكلام المنمق الجميل، ويفتقرون إلى الفعل الحقيقي الذي يعود بالفائدة على الشعب، لا على أصحاب المصالح!
إنه يعشق الإنجازات، ويعشق شعبه ووطنه ومجتمعه، ورؤيته واضحة وصريحة، لا يريد سوى رفعة الوطن، ورفع اسم الدولة عالياً، وضمان التطور والرقي، وترسيخ العلم والمعرفة كقاطرة للتنمية الشاملة، التي تحقق راحة ورخاء الشعب، ولا ينشغل بشيء أكثر من ترسيخ الأمن والاستقرار لكل من يعيش على هذه الأرض الكريمة.
لذا مَن كان هذا أكبر همه، وأهم أهدافه، فلا وقت لديه إلا للعمل، وكل كلمة يقولها ويَعِد بها شعبه، لابد أن ينفذها، هكذا اعتاد الناس عليه منذ سنوات طويلة، فهو لم يخلف يوماً وعداً قطعه على نفسه!
في عام 2014، غرد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قائلاً: «نعلن اليوم عن مشروعنا لإرسال أول مسبار عربي وإسلامي لكوكب المريخ، يصل في العام 2021، هدفنا تقديم إسهامات معرفية جديدة للبشرية»، كثيرون شككوا في قدرته على دعم مشروع كهذا، والنجاح فيه، وكثيرون اعتقدوا أن الأمر لا يعدو كونه تغريدة عابرة لن تتحقق، فعقولهم الصغيرة لم تكن تستوعب رؤية وإصرار وإرادة هذا الرجل، الذي لا سقف لحدود طموحاته، وما دفعهم إلى ذلك، أيضاً، صعوبة الهدف هذه المرة، فالمريخ استعصى على دول كبرى، تصنف عالمياً بأنها دول «عظمى»، فكيف يمكن لمحمد بن راشد أن ينافس هذه الدولة في ملعب صعب ومعقد ومكلف كالفضاء، بل وفي أبعد نقطة بالكون!
بدا الأمر كأنه رهان صعب المنال إلى أبعد الحدود، ففي ذلك الوقت لم يكن لدى الإمارات وكالة فضاء، ولا علماء في مجال الكواكب، وكانت قد أطلقت قمرها الاصطناعي الأول لتوها، ووفق كل معطيات ذلك العام، فإن المهمة شبه مستحيلة، لكنها ليست كذلك على محمد بن راشد، فانشغلوا هم بالتشكيك وبنشر الإحباط، وانشغل هو بهدفه الصعب، وبالتحدي الجديد، وبالوعد الذي قطعه على نفسه، بدأ العمل، أنشأ المؤسسات العلمية المختصة، وظهرت وكالة الإمارات للفضاء، وبدأ أبناء وبنات الإمارات العمل، تحت إشرافه ومتابعته المستمرة، وبعد مرور ست سنوات فقط، بدأت الاختبارات على المسبار الذي صُمِّم بالكامل في بلاده، وفي غرفة نظيفة ساطعة في دبي، حيث عكف مهندسون ومهندسات على اختبار المسبار الذي يضاهي حجمه حجم سيارة، قبل شحنه إلى مركز «تانيغاشيما» الفضائي في اليابان، وانطلق منها ليقطع 493 مليون كيلومتر نحو الفضاء العميق، ويدخل بنجاح إلى مدار المريخ، ويحقق إنجازاً تاريخياً للعرب، لتقدم الإمارات بذلك خدمة جليلة للعلم والمعرفة، ولكل مراكز الأبحاث والدراسات العلمية العالمية.
ويوم أول من أمس، غرد محمد بن راشد آل مكتوم بجملة قصيرة جداً، ومؤثرة جداً، جملة من ثلاث كلمات، اختصر فيها كل شيء، وردّ بها على كل مشكّك، أثلج صدر شعبه ومحبيه وأصدقائه والعرب المخلصين، وأخرس فيها لسان كل حاقد وكاره، ثلاث كلمات اختصرت مسيرة 493 مليون كيلومتر، قال فيها: «تمت المهمة بنجاح».. نعم نجحت المهمة، وأوفى محمد بن راشد وعده، ونجح كما ينجح دائماً، وأثبت أن أقواله لابد أن تتحول إلى أفعال حقيقية، فهو حتماً يفعل ما يقول.. ويقول ما يفعل.