بقلم - سامي الريامي
بعد 11 يوماً من الآن، وفي يوم التاسع من فبراير المقبل، وبالضبط في تمام الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة، سيصل «مسبار الأمل» إلى مداره في المريخ، قاطعاً أكثر من 450 مليون كيلومتر، ليبدأ رحلة استعادة الحضارة العربية والإسلامية، قبل أن يبدأ مهامه العلمية التي ستخدم العلم والعلماء ومراكز الأبحاث العلمية في جميع العالم، فالإمارات قررت أن تكون مهام هذا المسبار متاحة للجميع، وتواصلت مع أهم وأكبر المراكز العلمية المتخصصة لتفتح لها مجال الاستفادة من كل المعلومات، التي تبحث عنها، عن الكوكب الأحمر.
والسؤال الذي سيطرحه كثيرون، ماذا لو لم يصل المسبار إلى المريخ؟ وماذا لو تحطم أو احترق أو لم يصل إلى السرعة المناسبة لكي يدخل مدار الكوكب الأحمر؟
بالتأكيد هذه أمور وارد حدوثها، بل وبنسبة ليست قليلة، فوصول المسبار إلى مداره بنجاح وارد بنسبة 50%، وعدم وصوله أيضاً وارد بالنسبة نفسها تماماً، فالمهام إلى الكوكب الأحمر محاطة دائماً بمجازفة عالية، لذلك لا يتجرأ كثير من الدول على القيام بمثل هذه المهام، فهي تخشى الإخفاق، وتفضّل عدم المجازفة، وقليلون جداً مَن أخذوا زمام المبادرة لاكتشاف هذا الكوكب وكل ما يحيط به، والإمارات واحدة من الدول القليلة جداً، قررت المجازفة، ودخلت إلى هذا المجال النخبوي جداً، وسجلت اسمها بين الكبار الذين يسعون إلى ترسيخ العلم، ودعم المراكز العلمية التي تخدم الحضارة الإنسانية في هذا الزمن.
قد لا يصل المسبار، وهذا أمر وارد، لكن الإمارات حققت إنجازاتها على الأرض وقبل أن ينطلق المسبار إلى الفضاء، فالهدف الأسمى ليس وصول المسبار إلى المريخ، بل الوصول إلى المريخ هو خطوة جديدة في مسيرة إنجازات ضخمة تحققت، وهو بداية لخطوات أخرى وإنجازات أكبر ستتحقق.
كلفة مهمة المريخ لم تتجاوز 200 مليون دولار، وهذا الرقم بسيط جداً في عالم الفضاء، لكننا هنا في الإمارات لا نتحدث عن «كلفة»، بل نتحدث عن استثمار 200 مليون دولار، استثمارها في كوكبة من شباب وشابات الإمارات دخلوا هذا المجال، وكانوا وراء كل صغيرة وكبيرة في تصميم وبناء المسبار، والتخطيط لرحلة المريخ التاريخية، واستثمار رفع اسم الإمارات وعَلَمها بين قلة قليلة جداً من دول العالم المتقدمة، واستثمار في دعم العلم والمعرفة العالميين، والإسهام الفعلي في الحضارة البشرية، وبصفة «مشارك رئيس»، وليس بصفة «متفرج بسيط»!
«مسبار الأمل»، في حالة وصوله إلى موقعه في مدار الكوكب الأحمر، سيثري مراكز الأبحاث العالمية بمعلومات وصور قيّمة جداً، وسيجيب عن أسئلة كثير من العلماء والمختصين، وذلك لفترة تمتد إلى عامين كاملين، ما يعني أنه بالفعل ثروة علمية ومعلوماتية لا حدود لها.
أما ما فعله مشروع استكشاف المريخ على الأرض، وقبل انطلاق المسبار، فهو بالفعل إنجاز ضخم في حد ذاته، يضاف إلى رصيد إنجازات دولة الإمارات، وتالياً فنحن رابحون وبشدة في كل الأحوال، ولن تخسر الإمارات شيئاً حتى لو لم يصل المسبار!