هاني فحص عناوين سيرة لوعي وسلوك

هاني فحص: عناوين سيرة لوعي وسلوك

هاني فحص: عناوين سيرة لوعي وسلوك

 صوت الإمارات -

هاني فحص عناوين سيرة لوعي وسلوك

حازم صاغية

حين يتخيّل المرء دولة لبنانيّة مثلى، دولةً لم تُكتب لها الحياة للأسف، يتخيّل هاني فحص مواطناً فاضلاً فيها.

فـ «السيّد هاني» الذي رحل عن دنيانا قبل يومين، كان يجمع في شخصه الصفات التي تجعله ذاك المواطن الفاضل. فبوصفه رجل دين، كان صاحبنا صديقاً لكلّ حوار، حاضراً فيه بشكل أو آخر. الجميع كانوا أصدقاءه إذا شاؤوا ذلك، يستطيع أن يميّز في علاقته بهم بين الخلاف السياسيّ حين يوجد، وبين الأبعاد الأخرى التي يُفترض بالكائن الإنسانيّ أن ينطوي عليها.

ولأنّ الصورة المترسّخة لدينا عن رجل الدين موسومة بالتزمّت وبالميل إلى احتكار الحقيقة، بدا هاني فحص لنا دوماً كأنّه، برحابته وتمدّنه وحواريّته ومرونته، كأنّه مسجون في ثوب رجل دين.

وهو بدوره كان يضيف إلى هذا كلّه ما يؤنسن رجل الدين، فهو صاحب فكاهة وسخرية تشهد عليهما مجالسه. إلاّ أنّه أضاف أيضاً فائضاً من الحيويّة يدلّ إليه تاريخه السياسيّ والشخصيّ، فكأنّه يقول بهذا إنّ الأمور لم تكتمل بعد ولم تتمّ، وإنّ ثمّة نشاطاً ما لا يزال بذله مطلوباً.

وانحيازه هذا إلى المبادرة وإلى التدخّل الإنسانيّ للتغيير جعله على نحو دائم كأنّه يتلصّص ويتنصّت على ما يجري حوله، ويستخدم حواسّه كافّة لفهم ما يطرأ أو يستجدّ. وبقدر حماسته لهمّ الحوار بين الناس والناس، والأديان والأديان، والمذاهب والمذاهب، كان متحمّساً، وهو الكاتب والمؤلّف، لصلة حميمة وراهنة بين الاشتغال السياسيّ والاشتغال الثقافيّ. وهذه كلّها إنّما اندرجت لديه تحت عنوان عريض هو ربط الدين بالحياة بدلاً من ربط الحياة بالدين.

وهذه قيم بدت في مجموعها غريبة في السنوات الأخيرة مع ذهاب لبنان والمنطقة مذهب التشنّج والضيق والتمزّق وما يصحب ذلك من تقلّص في المساحات المشتركة. فكأنّ التزامن بين رحيل «السيّد هاني» الجسديّ وبين ضمور القيم والمعاني التي حملها لم يكن مجرّد واحدة من المصادفات.

لكنّ الأهمّ، وهو أكثر ما يبقى ويرسخ، تجربة هاني فحص التي قادته إلى ما انقاد إليه. فالشابّ العروبي فالفتحاويّ فالخمينيّ الذي ورث ما راكمته المنطقة من تجارب راديكاليّة بلا طائل، وانخرط عميقاً فيها، توّج حياته باكتشاف الدولة التي تعبّر عن وطنيّة لبنانيّة هي وحدها الشرط الصعب للحياة. والطريق إلى ذاك الاكتشاف لم يخل من مرارات الحروب الأهليّة ومن معاينة الاستبدادات التي انبثقت من أفكار كان يُظنّ أنّها سبيل إلى الفردوس.

بيد أنّ اللبنانيّة التي استقرّ عليها «السيّد هاني» لم تكن من الطينة القديمة التي تجمع الزجل إلى لون سقيم من الرومنطيقيّة. فهو أتى إليها محمّلاً بغنى التجارب التي عاشها، لا في لبنان فحسب بل في رقعة تمتدّ من فلسطين إلى إيران. لكنّه أتى إليها أيضاً محمّلاً بوعي ثقافيّ عريض يطلّ على العراق ونجفه وعلى إيران وقمّها بما يكمّل اللبنانيّة ويُغنيها.

... وداعاً يا مواطننا الفاضل في زمن انهيار المواطنة والأوطان.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هاني فحص عناوين سيرة لوعي وسلوك هاني فحص عناوين سيرة لوعي وسلوك



GMT 04:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 04:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 04:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 04:57 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 04:56 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أوكرانيا...اليوم التالي بعد الألف

GMT 04:56 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

ثلث نساء العالم ضحايا عنف

GMT 04:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا: المفاجأة الكبرى أمام ترمب

GMT 04:54 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:15 2015 الأربعاء ,25 شباط / فبراير

تنحي برلماني بريطاني بارز بسبب فضيحة رشوة

GMT 08:26 2013 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

"قيامة" مجموعة روائية تتناول علاقة العلم بالإيمان

GMT 21:24 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

سلافة معمار مثيرة في أحدث جلسة تصوير بعدسة بو منصور

GMT 14:49 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

6 نصائح من خبراء الديكور لغرف نوم مميزة لأطفالك التوأم

GMT 05:00 2019 الإثنين ,15 تموز / يوليو

بان كيك بالشوكولاتة

GMT 23:03 2019 الثلاثاء ,26 شباط / فبراير

الأهلي يواجه طلائع الجيش في دوري سوبر السلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates