أفغانستان أكثر من حرب على صوت المرأة

أفغانستان: أكثر من حرب على صوت المرأة

أفغانستان: أكثر من حرب على صوت المرأة

 صوت الإمارات -

أفغانستان أكثر من حرب على صوت المرأة

بقلم :حازم صاغية

 

حينما يوصف أحدهم بأنّه «مسموع الصوت»، يكون المقصود أنّه مؤثّر أو نافذ. فالصوت أداة قوّة وتمكين، ولأنّه كذلك كان مَن يطالب أو يحتجّ «يرفع صوته»، فحين لا يُلبّى طلبه يرفعه أكثر إلى أن يغدو صراخاً، والصراخ صوت. ولم يكن بلا دلالة أنّ الانتخاب سُمّي «تصويتاً» لأنّ المواطن، عبر صوته، يعلن خياره لحياته ولعالمه المحيط. وبدوره، فالطفل الوليد يباشر الحياة بإطلاق صوت، وهكذا فبالصوت تبدأ حياة الأحياء وإشعارهم الآخرين أنّهم أحياء. وفي التاريخ، حين كانت الثقافة شفويّة، ظلّ الصوت، لدهور مديدة، وسيط العلم وجسر البشر إلى ما يتعلّمونه. وفضلاً عن الوظائف الأساسيّة في الكلام والغناء، رأى البعض أنّ الآلة الموسيقيّة الأولى المعروفة في تاريخ الموسيقى صوتُ البشر، وأضاف آخرون أنّ الصوت يغيّر ويتغيّر، وأنّه، كالضوء، يُعرَف بسرعةٍ يختصّ بها وحده. فهناك قِياسا «سرعة الضوء» و»سرعة الصوت»، فيما العتم والصمت بلا حركة وبلا سرعة تالياً.

وردّاً على هذا النفوذ كلّه نشأ كاتم الصوت، أي ذاك السلاح الذي يضحّي بأن يكتم صوته مؤقّتاً كيما يكتم أصوات ضحاياه إلى الأبد. فالكاتم يمنع الصوت في تعبيره واحتجاجه وصراخه وروايته وغنائه، ويعامله كأنّه شيء قابل للاستئصال، ضدّاً على ما فعلته الطبيعة.

وفي أفغانستان يستهدف الكاتم، وهو نظام سياسيّ وثقافيّ، صوت المرأة الذي ينبغي ألاّ يُسمع في الأماكن العامّة لأنّه، وفق ما تداولته الأخبار، سبب للغوى والإغراء، والغوى والإغراء ينبغي، منعاً للفتنة، إسكاتهما.

والحال أنّ الكاتم سبق له، قبل كتمانه الصوت، أن كتم شَعر المرأة ووجهها وجسدها، ومنعها من العمل ومن السفر بدون محرم ومن دخول الحدائق والملاهي والنوادي الرياضيّة والحمّامات العامّة، وكي يحول دون دخولها صالونات التزيين، أغلق تلك الصالونات. وبعدما كان «تعليم النساء» أحد شعارات المحاولات النهضويّة المبكرة في العالم الإسلاميّ، باتت أفغانستان البلد الوحيد في العالم الذي يمنع دراسة الفتيات ما يتعدّى المرحلة الابتدائيّة. وفيما كانت السلطة في كابول تتباهى بتدميرها، في سنة واحدة، 21 ألف آلة موسيقيّة، أعلنت اليونسكو حرمان 1،4 مليون فتاة أفغانيّة من التعليم.

وهذا حرب على النساء، بكلّ ما تحمله كلمة حرب من معنى. ولأنّ الأمر كذلك حُوّل بلد برمّته مخيّماً لتعذيبهنّ ولجعلهنّ جثثاً بلا حول أو قوّة. لكنْ إذا كانت وظيفة الحرب قتل الخصم وجعله جثّةً، فما يحصل هنا، وعبر الإجراءات الحربيّة المتلاحقة، يشبه التمثيل بالجثّة وطعنها مرّة بعد مرّة. ذاك أنّ القتل وحده لا يروي الغليل ولا يكفي لتحرير الذكَر الخائف والكاره من خوفه المَرضيّ من النساء ومن كرهه الأكثر مَرضيّة لهنّ.

لكنّ أفغانستان، وإن كانت الفصيل المتقدّم في الحرب على المرأة، فإنّها ليست طرفها الأوحد. فالفتاوى الرائجة، بالتلفزيونيّ منها وغير التلفزيونيّ، لا تجد اليوم موضوعاً لها كما تجده في النساء وأجسادهنّ وفي شؤون العائلة والجنس والزواج. وهناك، كما بات شائعاً، مشروع قانون لتزويج القاصرات في العراق، وهذا بينما تحول «مناهضة الإمبرياليّة» دون التذكير بكتاب «تحرير الوسيلة» الذي يضمّ فتاوى الخمينيّ وإجازتَه للرجل «سائر الاستمتاعات... ناهيك عن التحذير من تلك «التعاليم» والتشهير بها.

مع هذا، فإنّ أفغانستان، دون سواها، تمتحن نظريّات التحرّر الوطنيّ الرائجة، لا سيّما منذ أن تحرّرت من الأميركيّين صيف 2021 وصُفّق لتحرّرها الذي أثار حماسة واسعة. فهي تقدّم مَثَلاً صارخاً عن المبادىء المجرّدة حين تخذلها التجارب الملموسة. وأسوأ ما في المبادىء أن تبقى مبادىء، لا يُسعفها الواقع والوقائع بالبراهين التي تؤكّد صحّتها. هكذا نجدنا أمام أحوال لم يتوقّعها العقل البسيط، كأنْ يقف الاستقلال والتحرّر، وهما من المبادىء الفاضلة، في مواجهة انتصارهما الذي ينفي كلّ ما هو فاضل وينافيه.

فهذا البلد ولد وعاش منزوع الاستعمار (de-colonized)، بمعنى أنّه كان واحداً من البلدان القليلة في العالم التي لم تُستعمر، وربّما كان أكثر بلدان العالم عزلةً وتحوّطاً من «التلوّث» بالأجانب الغربيّين. وفي العقود الماضية، تمكّن الأفغان بـ»مجاهديهم» ثمّ بطالبانهم، من دحر غزوين «أبيضين» نفّذتهما الدولتان الأقوى عسكريّاً، أي الاتّحاد السوفياتيّ السابق والولايات المتّحدة. أمّا عداء الطالبان المستمرّ للدولة الأخيرة فبلغ حدّ السماح لـ»القاعدة»، وفق تقارير صحافيّة متكاثرة، بأن تستعيد حضورها العسكريّ في كابول، وهذا بينما غدت روسيا والصين تتمتّعان بعلاقات جيّدة مع أفغانستان لا تحظى بمثلها أيّة دولة غربيّة كبرى. لكنّ هذا البلد، الذي يستحقّ لقب عروس التحرّر في العالم، مشغول بحرب على النساء يُسيء وصفُها بالقروسطيّة إلى القرون الوسطى.

أمّا هنّ، وبمعزل عن كلّ الجعجعة الرائجة حول الاستعمار ونزع الاستعمار، فتبقى قضيّتهنّ إحدى القضايا الأنبل في عالمنا المعاصر، إن لم تكن الأنبل بإطلاق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفغانستان أكثر من حرب على صوت المرأة أفغانستان أكثر من حرب على صوت المرأة



GMT 19:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تحت البحر

GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

انتصرنا

GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكر السياسي سيرورات لا مجرّد نقائض

GMT 19:44 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

«إنت بتفهم في السياسة أكتر من الخواجه؟!»

GMT 19:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس ترمب؟!

GMT 19:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مجموعة العشرين وقمة اللاحسم

GMT 19:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لو أنه أنصف لبنان

GMT 19:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مأساوية الحرب وأفكار النهايات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية

GMT 09:48 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الإذاعة المِصرية تعتمد خِطة احتفلات عيد "الأضحى"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates