لماذا لا يتعاطف العالم مع طهران ودمشق

لماذا لا يتعاطف العالم مع طهران ودمشق؟

لماذا لا يتعاطف العالم مع طهران ودمشق؟

 صوت الإمارات -

لماذا لا يتعاطف العالم مع طهران ودمشق

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

تخيّلوا بلداً يتلقّى أسبوعاً بعد أسبوع ضربات جوّيّة موجعة، أو بلداً يتعرّض رموزه وقادته للاغتيال من بلد آخر، كما تُسرق منه نصف طنّ من ملفّات سرّيّة. هاتان حالتان مثيرتان لتضامن الرأي العامّ العالميّ، ولمحبّي السلام وكارهي العنف والعدوان على مدى المعمورة.
مثل هذا التوقّع لا يسري على إيران وسوريّا اللتين تتعرّضان لما سبق وصفه، وعلى نحو مؤلم ومكلف ومهين في وقت واحد.
طبعاً هناك متضامنون معهما ينتمون إلى ذاك الهامش الضيّق المناهض دائماً للولايات المتّحدة الأميركيّة، أكانت على خطأ أم على صواب، أكان رئيسها دونالد ترمب أم أيّ شخص آخر. هؤلاء لا يعكسون الرأي العامّ وأصواته الفاعلة في الأحزاب والصحف والنقابات والمؤسّسات الدينيّة والحركات البيئيّة والباسيفيّة وسائر منظّمات المجتمع المدنيّ...
أكثر من هذا، نلاحظ، حيال نتنياهو مثلاً، مدى الفارق بين درجة التعاطف مع ضحاياه الفلسطينيّين والتعاطف المنخفض مع خصومه الإيرانيّين. وهناك من لا يطيقون دونالد ترمب وسياساته، لكنّهم حين يصلون إلى إيران وسوريّا يخفّفون غلواءهم النقديّة وإدانتهم للرئيس المنتهية ولايته. وحتّى الذين يأخذون عليه الانسحاب من الاتّفاق النوويّ مع طهران، ويدافعون عن العودة إليه، تجد بينهم من يقدّم موقفه بوصفه اتّقاءً للشرّ ومنعاً لانتشار الأخطار التي ينطوي عليها نظام خامنئي. هذا هو موقف أوروبيّين كثيرين.
بالطبع سوف يظهر من يردّ سبب هذا الفتور إلى عدم اكتراث غربيّ مؤصّل بما يحصل للمسلمين وبلدانهم. وهذا ليس صحيحاً بالمرّة، خصوصاً بعد تدخّل قوّات الناتو في 1994 – 1995 في حرب البوسنة إلى جانب المسلمين ضدّ الصرب، فضلاً عن تدخّلات متقطّعة لحماية الأكراد المسلمين في العراق وسوريّا، وكان أهمّها في 1991 مع فرض كردستان العراق منطقةَ حكم ذاتيّ فعليّ وإن لم يكن اسميّاً.
والحجّة هذه تزداد تهافتاً حين نلاحظ التعاطف الواسع في أوساط الرأي العامّ الغربيّ، الأميركيّ منه والأوروبيّ، مع مسلمي الروهينغا المضطهَدين في ميانمار، أو مع مسلمي الإيغور المضطهَدين في الصين.
المشكلة مع النظامين الإيرانيّ والسوريّ أنّهما لا يستطيعان التقدّم من العالم بوصفهما ضحيّة عدوان. إنّ ثوب الضحيّة لا يليق بجسديهما.
فنظاما خامنئي وبشّار الأسد هما بالتعريف نظاما عدوان تمتدّ أشكاله من استخدام السلاح الكيماويّ إلى تطوير السلاح النوويّ، ومن القتل والاغتيال والتهجير الجماعيّ وإسقاط البراميل المتفجّرة على رؤوس المدنيّين إلى التوسّع الترابيّ وتوسيع رقعة النفوذ على حساب أراضٍ أخرى وسيادات أخرى.
إذن، نحن لسنا أمام تشيكوسلوفاكيا في مواجهة هتلر، ولا أمام الكويت في مواجهة صدّام حسين. إنّنا، في المقابل، حيال عدوانيِّين تضعف اليوم قدرتهم على ممارسة العدوان، أي أنّهم عدوانيّون محبَطون.
والذاكرة لم تنس بعد أنّ سوريّين كثيرين ومثقّفين إيرانيّين ناشدوا العالم أن يتدخّل لوقف عدوان هذين النظامين على شعبيهما.
لكنْ حتّى لو وضعنا الأفعال جانباً، تبقى اللغة الهجوميّة غريبة تماماً عن لغة الضحايا. وهذا ما يسمعه العالم كلّه كما يصعب الاختلاف في تأويله. فقاموس مصطلحات النظامين كلّها وعيد وتهديد واستعراض للقوّة وتلويح بالصواريخ «المزلزِلة». والأسوأ أنّهما لا يجيدان التحدّث بلسان المهزوم حتّى لو أرادا ذلك. إنّ طبعهما الحربيّ يغلب كلّ تطبّع قد يراودهما.
للتأكّد من ذلك لا بأس بمراجعة سريعة لبعض ما يصدر عنهما بينما يتلقّيان الضربات المؤلمة والمهينة:
هذه عيّنة ممّا تقوله محطّاتهما التلفزيونيّة وصحفهما في معرض تفسير عدم الردّ الإيرانيّ والسوريّ على تلك الضربات:
- إنّ العمليّات الإسرائيليّة والأميركيّة لا تعدو كونها ردّاً على هزيمة الطرفين في سوريّا...
- إنّ الإسرائيليّين والأميركيّين يعترفون بقوّة صواريخ المقاومة وبدقّتها...
- إنّ الرعب يضرب الإسرائيليّين والأميركيّين خوفاً من الضربة التي ستوجّه إليهم حين يحين وقتها...
هذا التنافر المدهش بين واقع الحال وبين وصفه يقول كم أنّ الوعي الحربيّ متأصّل في النظامين، وكم أنّ لسانيهما يفتقران إلى أيّ مفردة توحي بالرغبة في مغادرة الحالة الحربيّة، أو تقرّ بالضعف الذي ينتاب صاحبها، والذي بات مرئيّاً لكلّ من يغمض عينيه.
لكنّ الإنكار يملك سبباً أهمّ، هو أنّ كلّ شيء ينهار بمجرّد النطق بلسان الضعف، وذلك لسبب بسيط: هذان نظامان قاما على القوّة، وحين توضع القوّة جانباً لا يعود لديهما الكثير ممّا يصلح للتباهي.
والعالم الراغب في السلام والمتعاطف مع الضحايا لا يحبّ الأبطال كثيراً، فكيف حين لا يبقى من تلك البطولة المزعومة إلاّ زعمها.
هذا، على العموم، لا يأتي على صاحبه بالتعاطف. قد يأتي عليه بسخرية تُسمع قهقهتها عالياً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا لا يتعاطف العالم مع طهران ودمشق لماذا لا يتعاطف العالم مع طهران ودمشق



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 14:38 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 18:45 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 11:33 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 16:51 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

اضيفي اجواءًا جريئة ومشرقة على جدران المنزل

GMT 20:37 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

مطعم ياباني يقدم وجبات لحوم البشر بـ 20 ألف جنيه

GMT 17:53 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

ندوة لمناقشة رواية "منتصر" في مكتبة "البلد"

GMT 04:12 2020 السبت ,09 أيار / مايو

برشلونة يقترب من حسم صفقة نجم يوفنتوس

GMT 11:39 2019 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كيت ميدلتون توضح تفاصيل اللقاء الأول مع الأمير وليام

GMT 04:07 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

انتقادات قوية لرئيس بريشيا الإيطالي بسبب بالوتيلي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates