إيران التي تُفني بلدان المشرق الأمر لم يعد أقلّ من ذلك

إيران التي تُفني بلدان المشرق: الأمر لم يعد أقلّ من ذلك!

إيران التي تُفني بلدان المشرق: الأمر لم يعد أقلّ من ذلك!

 صوت الإمارات -

إيران التي تُفني بلدان المشرق الأمر لم يعد أقلّ من ذلك

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

بعد الحرب العالميّة الأولى أنشئت الدول في منطقة المشرق العربيّ. السلطنة العثمانيّة كانت قد انهارت في تلك الحرب وكان لا بدّ للمنتصرين فيها من ملء هذا الكمّ الكبير من البشر والأرض في أوعية الدول. المنتدبون البريطانيّون والفرنسيّون أخطأوا هنا وأصابوا هناك، وغلّبوا مصالحهم على الواقع مرّةً وانحنوا أمام آمر الواقع مرّة أخرى. الأهمّ من ذلك كلّه أنّنا كسبنا أوطاناً ودولاً: بها وحدها نستطيع أن نحضر في العالم وأن نفعل، ومن دونها يُقفَل في وجهنا باب المعاصرة.
سكاكين كثيرة استُلّت لذبح هذا التطوّر الكبير: الذين أبت عليهم كرامتهم الخضوع للأجنبيّ، والذين أبت عليهم ذاكرتهم نسيان الزمن العثمانيّ، والذين أبت عليهم حياتهم المألوفة قبول نمط آخر للحياة، والذين أبى عليهم تعصّبهم قبول المساواة بسواهم من المواطنين... هؤلاء كلّهم رفضوا تلك الدول غير آبهين بأنّهم يرفضون الإرادة التي تواضعَ عليها منتصرو الحرب العالميّة الأولى و»عصبة الأمم» التي أسّسوها. ما زاد البؤس بؤساً، فيما الدولة الشريفيّة في دمشق تذوي وتتعفّن، غياب أيّ بديل قد يطرحه كارهو الدول «المفتعلة» التي أقيمت.
مع ذلك شكّل رفض الدول تلك والدعوة إلى دمج واحدتها بالأخرى روحَ الأحزاب التي نشأت والأفكار التي سادت في المشرق العربيّ. ولم يكن لقيام إسرائيل في 1948، إلاّ أن ضاعف قوّة ذاك الرفض: ذاك أنّ الوحدة – على ما رأى الوعي الحسابيّ البسيط – أقدر من التجزئة على محق ذاك الكيان الجديد.
هذا «الحلم» بالوحدة تحقّق في 1958 حين دُمجت سوريّا ومصر في كيان واحد يشكّل كماشة حول إسرائيل، كما قيل يومذاك بكثير من الحماسة. لكنّ الفرحة الواسعة بتذويب الدولة والكيان السوريّين لم تعش طويلاً. لقد تبدّى في 1961، حين انفصلت سوريّا، أنّ الوحدة أكثر افتعالاً بكثير من الدول الموصوفة بالافتعال.
مذّاك تراجعت الحرب على الوطنيّة المشرقيّة وكان حظّ المحاولات اللاحقة أقلّ كثيراً من حظّ الوحدة المصريّة – السوريّة، كما كانت شعبيّتها أضعف بلا قياس. هكذا حلّت محلّ الأحلام أوهام تتبخّر لحظة ولادتها: في 1963 أخفق بعثا سوريّا والعراق في توحيد بلديهما. في 1965 لم يُقلع الاتّحاد المصريّ – العراقيّ. في 1971 تحوّل «الاتّحاد الثلاثيّ» المصريّ – السوريّ – الليبيّ إلى مزاح سمج. في هذه الغضون تولّت المقاومة الفلسطينيّة، في الأردن ولبنان، مهمّة إضعاف الوطنيّات، عاملةً على تدمير ما هو قائم في سبيل موعودٍ يستحيل أن يأتي هو تحرير فلسطين. فوق هذا، كانت تلك المقاومة ممرّاً للأنظمة العسكريّة والأمنيّة، خصوصاً منها السوريّ والعراقيّ والليبيّ، كي تمعن في تصديع البلدان الأصغر.
وتتالت على مدى سنوات حروب أهليّة متفاوتة الحجم، واكبَها تعاظم الاستبداد هنا والتعرّض للاحتلالات هناك. هكذا خرج من اهتراء متراكم كهذا ذاك المسخ المعروف بـ «داعش» والذي أخذ على عاتقه استئناف مهمّة الحرب على وطنيّات المشرق. وبالفعل تمكّنت «داعش» في 2014 من دمج أجزاء من سوريّا في أجزاء من العراق والعكس بالعكس. لكنّ تلك الحرب وجدت طرفاً أشدّ قوّة وأكثر تماسكاً ومواظبة من «داعش» التي ما لبثت أن انحسرت «دولتها». هذا الطرف هو إيران الخمينيّة التي بدأت، منذ ثورتها في 1979 وبشعار «تصدير الثورة»، تتمرّن على أداء الوظيفة هذه.
والحال أنّنا نرى اليوم أوطاناً بكاملها تتعرّض للمحو والاندثار في ظلّ التضامن المعلن بين الإمبراطوريّة الخمينيّة وكلّ من أنظمة الاستبداد وواقع التناحر الطائفيّ. والأمر ليس أقلّ من ذلك مطلقاً: إنّه يطال الإقامة والنزوح والاقتصاد والتعليم، مثلما يطال التعرّض للاحتلالات والوصايات واستشراء الوعي الطائفيّ، فضلاً عن حدود البلدان التي يتمّ تخليعها. إنّه، بالتالي، أمر وجود، وليس أمر نظام بعينه أو سلوك سياسيّ بذاته.
ذاك أنّ الوطنيّة تغدو اليوم، أقلّه في لبنان وسوريّا والعراق، مساوية لمقارعة النفوذ الإيرانيّ الذي يفكّك كلّ ما تحقّق على مدى قرن، كما يغدو التصدّي لنفوذ طهران هو المعنى الأوّل، إن لم يكن الأوحد، للوطنيّة.
وهذا التصوّر لم يعد في الوسع ابتزازه بإسرائيل التي يقلّ شرّها كثيراً عن الشرّ الهاجم من الشرق، ولا بأنواع التخوين الأخرى التي يطلقها من باعوا أوطانهم لإيران. أمّا الحريصون في عواصم العالم الكبرى على استقرار المنطقة فسوف يبقى حرصهم قليل المردود ما لم يدركوا هذه المعادلة: إمّا أن ينتصر النفوذ الإيرانيّ وتندحر الأوطان والوطنيّات في منطقة المشرق، أو أن تنتصر الوطنيّات المشرقيّة ويندحر النفوذ الإيرانيّ.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران التي تُفني بلدان المشرق الأمر لم يعد أقلّ من ذلك إيران التي تُفني بلدان المشرق الأمر لم يعد أقلّ من ذلك



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 02:36 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 صوت الإمارات - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 09:15 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 19:12 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج السرطان السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 20:20 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 11:21 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 10:58 2012 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

"البرلمان الأوروبي" يمنع قطع زعانف سمك القرش في البحر

GMT 13:54 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

محمد بن راشد يهنئ المواطنين هاتفيًا بـ"اليوم الوطني"

GMT 15:55 2017 الخميس ,15 حزيران / يونيو

منزل غريب في نيوزيلندا يصلح للشخصيات الخيالية

GMT 19:23 2017 الأحد ,06 آب / أغسطس

خالد باوزير يعود إلى تدريبات الوحدة

GMT 12:20 2013 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

التليفزيون المصرى يعرض أول مسلسل صيني في الشرق الأوسط

GMT 21:50 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد للطيران تعلق رحلات أبوظبي " دالاس فورت وورث " في 2018

GMT 07:01 2017 الخميس ,07 أيلول / سبتمبر

شركة يابانية تكشف عن أسرع سيارة في العالم

GMT 22:12 2021 الأحد ,10 تشرين الأول / أكتوبر

وضعيات "يوغا" تقلل من تساقط الشعر

GMT 08:44 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

فساتين راقية بلمسات شرقية لها سحرها الخاص

GMT 03:44 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

نسخة مسرحية من «عائلة آدم» في «أميركية الشارقة»

GMT 09:38 2019 الأربعاء ,05 حزيران / يونيو

هيفاء وهبي تعلن الاعتزال الفني بشكل مؤقت
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates