إيران بين ترمب وبايدن

إيران بين ترمب وبايدن

إيران بين ترمب وبايدن

 صوت الإمارات -

إيران بين ترمب وبايدن

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

هل يخطئ من يقول إنّه يؤيّد سياسة جو بايدن في كلّ مكان، لكنّه يفضّل عليها سياسة دونالد ترمب في إيران؟
أغلب الظنّ أنّ هذا الرأي صحيح. في الولايات المتّحدة نفسها وفي العلاقات الدوليّة، وفي الموقف من البيئة والعولمة والرابطة الأطلسيّة والضرائب على الأغنياء، وفي المسائل العِرقيّة والجندريّة والاحتفال بالتعدّد، كما حيال حقوق الإنسان والمهاجرين واللاجئين. كذلك في عموم الموقف من السياسة والمؤسّسات والديبلوماسيّة والمنظّمات الدوليّة...، في هذا كلّه يصعب المساواة بين الرئيسين وإدارتيهما. الأمر نفسه يصحّ في الموضوع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ وحيال الارتجال في صنع القرار عامّةً...
لماذا الاستثناء في ما خصّ إيران؟
لأنّ إيران استثناء. بالطبع هي ليست مصدر الشرّ الأوحد في العالم لكنّها مصدر الشرّ الأخطر والأكثر مباشرة. إنّها المكان الوحيد الذي يتمّ فيه، الآن، بناء مشروع إمبراطوريّ بالغ الجلافة وبالغ الإخلال، لا بالأنظمة السياسيّة، بل بطبيعة الأشياء: ربط عدد من الدول العربيّة بما يوسّع نطاق نفوذها، وهو ليس ربطاً عابراً للحدود ومتجاوزاً للسيادات فحسب، بل أيضاً مُسبّبٌ لمنازعات أهليّة مدمّرة، طائفيّة وإثنيّة، على مدى المنطقة. أمر إيران، فوق هذا، يتعدّى السلاح النوويّ إلى السلاح الصاروخيّ كما يتعدّى السلاح الصاروخيّ إلى العبوة والمسدّس والسكّين. من لا يموت بهذا يموت بذاك.
قد يقال، وهذا صحيح، إنّ الصين وروسيا ترعيان مشروعين إمبراطوريّين وتوسّعيّين أيضاً. مع هذا فهما أشدّ انضباطاً بالتوازنات والمعايير الدوليّة، ولديهما مصلحة في الاستقرار الاقتصاديّ للعالم، لا سيّما الصين التي قدّمت نفسها مؤخّراً، في دافوس وقبلها وبعدها، بوصفها رائدة العولمة. إيران، في المقابل، لا تكاد تفتح فمها إلاّ لتهدّد المصالح الاقتصاديّة والنفطيّة لجيرانها.
من جهة أخرى، فإنّ الصين وروسيا تجاوران بلداناً أضعف منهما لكنّها وازنة ومؤثّرة بما يجعل الصينيّين والروس يحسبون لها حساباً: ألمانيا وبولندا في حالة روسيا، واليابان وفيتنام في حالة الصين. في الشرق الأوسط، ليست تركيّا الإردوغانيّة قادرة على أداء هذا الدور، ولا هي راغبة فيه أصلاً. أمّا المناخ العربيّ العامّ، في زمن الثورات المضادّة والمنازعات الأهليّة التي أجّجتها التدخّلات الإيرانيّة، فبدوره لا يشجّع.
وروسيا والصين، وهما عضوان في مجلس الأمن، تملكان من عوامل التوسّع ما يتجاوز التدمير المحض، أكان في الاقتصاد، على تفاوته بين الدولتين، أم في الثقافة والوزن السياسيّ. وهي كلّها عوامل كان في وسع إيران، بحضارتها القديمة وثرائها النفطيّ، أن تمتلكها لو لم يبدّدها النظام الخمينيّ تباعاً.
أهمّ من ذلك، أنّ الشرّ الإيرانيّ مؤدلَج، على عكس الحال مع موسكو وبيجين اللتين عافتا الإيديولوجيّات الكبرى. إنّه أشبه بالشرّ الكوريّ الشماليّ مع فارق مؤدّاه أنّ هذا الأخير، برغم طموحاته النوويّة المُمَسرَحَة، مُحتوى داخل حدوده.
لقد احتُفل قبل أيّام بمرور 42 عاماً على ثورة الخمينيّ، لكنّ إيران لا تزال، بعد 42 عاماً، كأنّها في أيّام الثورة الأولى. روسيا، بعد 42 عاماً على ثورتها، أي في 1959، كانت تعيش مرحلة الانفتاح النسبيّ الخروتشيفيّ، بعدما انقضت ثلاثة أعوام على المؤتمر العشرين للحزب الشيوعيّ الذي جلدَ ستالين والستالينيّة. في الصين بعد 42 عاماً على ثورتها، أي في 1991، كان جيانغ زمين يعلن ما سماه «اقتصاد السوق الاشتراكيّ» ماضياً في تنفيذ إصلاحات دينغ هسياو بنغ. فيتنام، بعد 42 عاماً على سقوط سايغون في 1975، أي عام 2017، كانت قطعت شوطاً بعيداً في الانفتاح على العالم الذي بدأته مبكراً في 1986.
هنا، في إيران، ثمّة إصرار مدهش على عدم النضج، على المراهقة الدائمة. والمراهق الدائم خطر على نفسه وعلى سواه. الذين راهنوا على العكس انتهوا نهايات بائسة: أبو الحسن بني صدر في المنفى. محمّد خاتمي في العتم. مير حسين موسوي ومهدي كرّوبي في الإقامة الجبريّة.
وباستلهامها المراهقةَ الدائمة، ردّت القيادة الإيرانيّة على إشارات الانفتاح التي أبدتها إدارة بايدن. لم تُظهر أيّ استعداد للّقاء في منتصف الطريق، بل صعّدت في كلّ مكان تصل إليه اليد الإيرانيّة. صاحب الأمعاء الخاوية راح يطلق صرخة «انتصرنا» المعهودة والمبتذلة.
لكنْ لمَ لا وفي إدارة بايدن من يحبّ المراهقين الدائمين ولا يرى الشرّ الذي يصدر عن أفعالهم. وسياسة الممالأة (appeasement) حيال إيران لها اليوم رموزها في تلك الإدارة، كروبرت مالي الذي يتولّى ملفّ العلاقة بطهران، ويوصف بـ «تفهّم» سوريّا الأسد و«حماس» و«حزب الله»، فضلاً عن إيران، أو فيليب غوردون، مستشار نائبة الرئيس كامالا هاريس، الذي يرى ضمناً أنّ مطلق تدخّل في المنطقة مُضرّ، وأنّ شعوب المنطقة لا يسيء إليها إلاّ ما يأتي من خارجها. أوّلهما يمثّل لوناً من اليساريّة الشعبويّة، والثاني يمثّل «واقعيّة» كيسينجريّة مقلوبة يساراً. الخلاصة العمليّة التي يتّفقان عليها أنّ هذه المنطقة لا تستحقّ إلاّ ما كُتب لها، وإيران الخمينيّة هي التي كُتبت لها، وهي الخير الذي لا يحدّ من تدفّقه ومن فيضانه علينا سوى الولايات المتّحدة التي لا تفهمها.
لنا، ولإيران، كان دونالد ترمب أفضل بالتأكيد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران بين ترمب وبايدن إيران بين ترمب وبايدن



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates