أوروبا في زمن بايدن

أوروبا في زمن بايدن

أوروبا في زمن بايدن

 صوت الإمارات -

أوروبا في زمن بايدن

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

يقول أحد تعريفات الشعبويّة إنّها دفع السياسة من المركز إلى الأطراف والهوامش، مع تصديع المؤسّسات وإضعاف الثقة بها. انتخاب جو بايدن وتنصيبه ربّما كانا، بهذا المعنى، بداية هزيمة للشعبويّة وبداية إعادة اعتبار للسياسات الديمقراطيّة في الوسط. مما يدفع إلى شيء من التفاؤل بهذه الوجهة، فضلاً عن متانة التقليد المؤسّسي الأميركيّ، أنّ الرئيس الجديد جاء مصحوباً بأكثريّتين ديمقراطيّتين في الكونغرس، وإن كانت أكثريّته ضعيفة في مجلس الشيوخ. يُتوقّع كذلك أن يكون الحزب الجمهوري مضعضعاً ومنقسماً على نفسه بما يعيق قدرته على الفعل والمبادرة في المدى المنظور. ما ذكرته «وول ستريت جورنال» عن تأسيس حزب ترمبي يصبّ في هذه الخانة.
في المقابل، ما يقلّل هذا التفاؤل شعبيّة دونالد ترمب الذي استطاع أن يحصد قرابة 75 مليون صوت في الانتخابات الرئاسيّة، وواقع الانقسام الحادّ الذي ركّز عليه بايدن في خطاب تنصيبه أكثر مما على أي عنوان آخر، ناهيك عن الأوضاع الاقتصاديّة المتردّية بفعل «كورونا»، و«كورونا» نفسها.
يبقى أنّ أي انحسار للشعبويّة، إذا حصل، ستكون أوروبا مرآته الخارجيّة، أكان بسبب ديمقراطيّتها أم بسبب علاقاتها الخاصّة بالولايات المتّحدة. ولأنّ أي انقسام أميركي - أوروبيّ، كما في عهد ترمب أو إبّان حرب العراق في 2003، يُضعف الزخم الديمقراطيّ، فإنّ استعادة العلاقة الخاصّة تقوّيه وتعزّزه.
النافذة الأوروبيّة الأهمّ على الولايات المتّحدة هي حكم بريطانيا. وإذا صحّ أنّ «بريكزيت» قد يصيب دور الوسيط البريطاني مع أوروبا، فالصحيح أيضاً أنّ استعادة العلاقة الخاصّة قد تصيب «بريكزيت».
بريطانيا، وبغضّ النظر عن الدرجة، ستبقى أوّل من يتلقّف التحوّل الأميركيّ، بفعل الشراكة في عدد من التقاليد والتجارب الدستوريّة، ولكون نظاميهما نظامي حزبين اثنين، ونظراً إلى التشابه في مساري الصعود والهبوط اللذين عرفتهما الحركة النقابيّة فيهما بما لها من تأثير على تركيبة أحد الحزبين وتوجّهاته («العمّال» في بريطانيا و«الديمقراطيّ» في أميركا).
هنا، لا بأس بأن نلاحظ درجة التناغم، أقلّه منذ الحرب العالميّة الثانية، حيث تكثر محطّات التقاطع والتأثّر بين المسارين السياسيين للبلدين. على جبهة حزبي «العمّال» و«الديمقراطيّ»، أقام فرانكلين روزفلت «نيو ديل» في الثلاثينات، وأنشأ كليمنت أتلي «دولة الرفاه» في الأربعينات. وإذ ساد العلاقة بين ليندون جونسون وهارولد ويلسون بعض التوتّر، أساساً بسبب حرب فيتنام، فإنّ اهتمام ويلسون بمزاوجة الاشتراكيّة العمّاليّة والتكنولوجيا عبّر عن تأثّره بأميركا، حين كان جونسون يبني «المجتمع العظيم» أواسط الستينات. ومع انحياز «الديمقراطيّ» يساراً مع جورج ماكغفرن وترشّحه الرئاسي في 1972. حصل شيء مماثل في «العمّال» مع قيادة مايكل فوت أوائل الثمانينات، ثمّ في منافسة توني بن لنيل كينوك على قيادة الحزب في أواخر ذاك العقد. وإذ انتقل الحزبان إلى الوسطيّة مع بيل كلينتون وتوني بلير، فقد مالا يساراً مع بيرني ساندرز وجيريمي كوربن.
وعلى جبهة «الجمهوريّ» و«المحافظين»، نجد شيئاً مشابهاً. حكومة ونستون تشرشل الثانية والأخيرة (1951 – 1955) كانت مهجوسة بالتوافق مع دوايت أيزنهاور الذي وصل إلى البيت الأبيض في 1953. واستمرّ فيه حتّى 1961. هذه السياسة استأنفها هارولد ماكميلان الذي شغله محو آثار الخلاف الذي أثارته حرب السويس عام 1956. وبالطبع بات رونالد ريغان ومارغريت ثاتشر أقرب إلى كليشيه عن التطابق في السياستين الداخليّة والخارجيّة، وهو ما أعيد التذكير به مع ثنائي دونالد ترمب وبوريس جونسون.
ومن يدري، فقد تكون من تأثيرات بايدن وصول القائد الحالي لـ«العمّال»، كير ستارمر، إلى 10 داوننغ ستريت في انتخابات 2024 العامّة، سيّما إذا استمرّت شعبيّة جونسون في التراجع الذي تسبب به تعامله مع «كورونا».
لكنّ انتخاب بايدن ترافق مع حدثين أوروبيين آخرين قد يكونان قليلي الأهميّة بذاتهما: في ألمانيا نجح أرمن لاشيت في تولّي قيادة «الاتّحاد المسيحي الديمقراطيّ» وريثاً للمستشارة أنغيلا ميركل واستمراراً لخطّها، كما رسب في المنافسة المرشّح الشعبوي فريدريش ميرتس. هذا لا يلغي تحدّيات كثيرة ستواجه لاشيت حيال شعبويي حزبه، كما حيال حليفه ماركوس سودر قائد «الاتّحاد المسيحي الاجتماعيّ» في بافاريا، ناهيك عن «حزب البديل».
في إيطاليا، تمكّنت حكومة جيوسيبي كونتي من نيل ثقة مجلس الشيوخ. صحيح أنّ الحكومة تضمّ «حركة النجوم الخمسة» الشعبويّة، إلى جانب «الحزب الديمقراطيّ»، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ المهمّ اليوم، وحتّى إشعار آخر، هو إبقاء «رابطة الشمال» وزعيمها ماتيّو سالفيني خارج الحكم. هذا ما تحقّق.
الإشارات المبعثرة لا تسمح بأي جزم، خصوصاً أن السياسات الاقتصاديّة هي ما سيلعب دور الفصل والتقرير في النهاية. لكنّ المرجّح في مكان آخر من أوروبا، هو وسطها وشرقها، أن تستفيد الحركات الديمقراطيّة المناهضة للشعبويّة من سياسة الضغط المتوقّع على فلاديمير بوتين، وهذه، في أي حال، قصّة أخرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوروبا في زمن بايدن أوروبا في زمن بايدن



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 17:02 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 21:27 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 17:31 2015 الخميس ,29 كانون الثاني / يناير

عملية قذف النساء أثناء العلاقة الجنسية تحير العلماء

GMT 04:40 2015 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

اختاري أفضل العطور في ليلة زفافكِ

GMT 00:04 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

هدف ثالث لفريق برشلونة عن طريق فيدال

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

لامبورجيني أوروس 2019 تنطلق بقوة 650 حصان ومواصفات آخرى مذهلة

GMT 20:46 2014 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"الكتاب" يوجه التحية إلى سلطان لرعايته معرض الشارقة

GMT 14:58 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

البصري يطالب "المركزي" العراقي بالحدّ من منح إجازات مصرفية

GMT 02:08 2016 السبت ,16 إبريل / نيسان

اختاري عطرك بحسب شخصيتك

GMT 10:38 2013 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

بروتوكول لإنشاء محطة لتحلية مياه البحر بقيمة 200 مليون جنيه

GMT 23:49 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

تتويج السوري عمر خريبين كأفضل لاعب في آسيا لعام 2017

GMT 11:51 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون يشيد بجهود شما المزروعي في دعم الشباب

GMT 03:12 2016 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

كعكات الموز والشوفان الصحية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates