لبنان كي لا يبقى التغيير موقفاً أخلاقيّاً بحتاً

لبنان: كي لا يبقى التغيير موقفاً أخلاقيّاً بحتاً

لبنان: كي لا يبقى التغيير موقفاً أخلاقيّاً بحتاً

 صوت الإمارات -

لبنان كي لا يبقى التغيير موقفاً أخلاقيّاً بحتاً

بقلم - حازم صاغية

منذ انتخب اللبنانيّون 13 نائباً وصفهم الإعلام بـ«التغييريين»، انطلقت حملة ممانِعة وعونيّة ضدّهم. الصحافة ومثلها وسائل التواصل الاجتماعي شحذت ألسنتها. «النقّاد» راحوا يراقبون «التغييريين» بعشرين عيناً مفتوحة مسجّلين الهفوات ومضخّمينها ومحوّلينها إلى فضائح. هكذا شهدت بيروت، مرّة أخرى، أعمال قتل معنوي مسمومة هبّ معظمها من المواقع التي نُسبت إليها أعمال قتل مادّي سابقة.
كان متوقّعاً أن تبادر الأطراف الأشدّ التصاقاً بالنظام القائم، والأشدّ حماية له، إلى الحملة هذه على رجال ونساء لم يصلوا إلى البرلمان بموجب المعايير التي يعتمدها النظام. فهم لم تحملهم طوائفهم إلى حيث وصلوا، ولا كانوا مُحامي تلك الطوائف والمعبّرين عن مصالحها، كما لم يتكتّموا على انتمائهم إلى قيم جديدة وطرق أخرى في الكلام والتصرّف والمظهر الخارجيّ، وعلى رفضهم نمطاً في الحاكميّة يمتدّ من ازدواجيّة السلاح إلى الفساد المعمم، فيما تمتدّ «إنجازاته» من نهب أموال المودعين إلى تفجير مرفأ بيروت...
لقد أتى التشهير ليعبّر عن امتعاض الماضي القديم من بشائر مستقبليّة يُستحسن تشويهها وإخمادها في المهد. وكان يمكن القول إنّه، ككلّ تشهير، يبقى مقرفاً، لا يدلّ إلاّ إلى عزلة أصحابه وإلى شعورهم بأنّهم باتوا عُرضة للتجاوز. لكنّ انتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة المجلس نمّ عن حقيقة أخرى، هي أنّ الممثّلين السياسيين للشتيمة أقوياء وقادرون، وأنّ الماضي القديم شديد الوطأة على الحاضر، قواه المتنافرة تلتحم وتتضافر في المفاصل العصيبة. هكذا اجتمعت، رغم كلّ شيء، «حركة أمل» و«التيّار الوطني الحرّ» في التصويت الأخير. والمراقِب لا تفوته ملاحظة أنّ أمين عامّ «حزب الله»، الذي يميّز غثّ مصالحه عن سمينها، هو الذي بنى هذا التوافق الذي يُعدّ «استراتيجيّاً» بالقياس إلى خلافات يراها «تكتيكات» من صغائر الأمور. ونعرف أنّ هذا التوافق الذي هُندس «تحت الطاولة» إنّما جاء مسبوقاً بتوافق «فوق الطاولة» رعاه الراعي الصالح إيّاه حين صالحَ، في بيته، سليمان فرنجيّة وجبران باسيل.
فسيّد «التناقض الرئيسيّ» يعرف أنّ ما يبدأ برئيس مجلس مطواع ينتهي برئيس جمهوريّة مطواع هو الآخر، وأنّ انتخاب الأوّل صالح أن يكون تمريناً على انتخاب الثاني.
وهذا ما ينقلنا من مطلقي الشتائم، الذين لا يستحقّون التوقّف طويلاً عندهم، إلى سياسييهم وقواهم ممن أثبتوا أنّهم لا يزالون يشكّلون المتن العريض أو معظمه، وأنّه لا يزال في وسعهم أن يُنجبوا النظام الذي يبادلهم الإنجاب. ذاك أنّ الهزيمة التي ألمّت بثورة «17 تشرين» وحاولت الانتخابات الأخيرة استدراكها أعادت المتصدّرين إلى صدارتهم لأسباب تدفعنا من حيّز السياسة اليوميّة إلى حيّز الاجتماع والاقتصاد اللبنانيين، ودائماً إلى التراكيب العصبيّة المتينة. وإذا صحّ أنّ تعديلات بارزة طرأت على تمثيل القوى الطائفيّة، صحّ أيضاً أنّها تمكّنت من أن تحظى مجتمعة بأكثريّة المقاعد الساحقة.
وخريطة كهذه تستحقّ أن تدفع إلى مراجعة بعض معاني التغيير وفُرصه واحتمالاته المتاحة، وكذلك قياس سرعته ومراحله وأولويّاته. فإذا كان «التغييريّون» لا يزالون، رغم كلّ المآسي الوطنيّة، هامشاً بالقياس إلى متن عريض طائفيّ، وهذا خبر سيّئ بما فيه الكفاية عن لبنان واقعاً وصورة، فإنّ أي صراع بين المتن والهامش سوف تكون نتائجه معروفة مسبقاً. أمّا الممرّ الوحيد إلى الإنجاز فصيغة توافُقٍ ما مع من هم «أقلّ سوءاً» في هذا المتن، أي الطرف الأقلّ تورّطاً في النظام والأكثر تضرّراً من رموزه المتغلّبين، أي التابعين لـ«حزب الله» و«تيّار»ـه. فبعملٍ كهذا يُمنَع استفراد الهامش بحيث ترتسم خريطة أشدّ تكافؤاً للصراع السياسيّ. ولا يجوز هنا، بحجّة «كلّن يعني كلّن»، التغافل عن تناقضات فعليّة داخل المتن الطائفيّ، ولا التضحية بما هو ممكن اليوم لصالح ما يمكن أن يكون ممكناً غداً. ذاك أنّ تلك الشعارات والتطلّعات التي رُفعت في «17 تشرين» تصلح عناوين أخلاقيّة وتعابير عن نزوع محترم إلى النقاء، لكنّها حتماً لا تصلح عناوين سياسيّة متى كانت السياسة تتوخّى الإنجاز الفعليّ. فكيف وأنّ ما يضاعف الخلل في موازين القوى أنّ تعبير «كتلة منسجمة» في وصف «التغييريين» لا يزال تعبيراً تعوزه الدقّة.
وتصوّرٌ كهذا لا يعني «الإمحاء» في الأطراف «الأقلّ سوءاً»، أو الذيليّة حيالها، لكنّ أكثر ما يؤذي المناعة الذاتيّة هو خُوَّاف الاحتكاك بالأجسام الأخرى الذي لا يرافقه عادةً إلاّ خُوَّاف السياسة نفسها ورهبة «التلوّث» بها.
وهذا، في المقابل، لا يلغي مسؤوليّة القوى «الأقلّ سوءاً» المحسوبة على المتن العريض. فهي صادرة عن مواضٍ لا بدّ من مراجعتها، وعن طرق في القول والسلوك لا بدّ من تكييفها مع المستجدّات التي يعبّر عنها «التغييريّون»، وهي بالطبع آتية من تجارب تعاند، أو على الأقلّ تستغرب، العمل مع قوى غير طائفيّة، قوى لم تندرج قبلاً في حسابها وفي تصوّرها للسياسة. وأساسي هنا، ودائماً، اعتماد «الأقلّ سوءاً» مواقفَ أكثر جذريّة في الميادين الاجتماعيّة والاقتصاديّة، لا سيّما في مجالات مكافحة الفساد وقيم التزلّم والمحسوبيّة.
أمّا أن يبقى الحال على ما هو عليه فهذا وصفة لانتخاب رئيس جمهوريّة يجعل انتخاب رئيس المجلس قبل أيّام مناسبة للفرح وللتهليل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان كي لا يبقى التغيير موقفاً أخلاقيّاً بحتاً لبنان كي لا يبقى التغيير موقفاً أخلاقيّاً بحتاً



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 09:42 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

"بيوتي سنتر" مسلسل يجمع شباب مصر والسعودية

GMT 22:57 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

بن راشد يعتمد 5.8 مليار درهم لمشاريع الكهرباء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates