علي العمودي
ودع العالم مؤخرا الروائي والشاعر والرسام الألماني الأشهر جونتر جراس صاحب نوبل الآداب لعام1999، ودعه بكل الاحترام والتقدير والتبجيل المستحق لقامة من قامات الأدب الأوروبي.
عاش جراس حياة صاخبة، مثيرا للجدل في كل محطة من محطاتها، فقد كان ذا مواقف مبدئية من الحروب وتجار الحروب، وكل ما هو غير أخلاقي في دهاليز السياسة.
كان يؤمن بدور المثقف المبدئي ورسالته تجاه الإنسانية، والوطن بمفهومه الواسع، وعلاقة الإنسان بمحيطه، وتفاعله مع مساعي نشر وتحقيق العدالة الاجتماعية والحرية ودحر الظلم والعدوان.
ما لا يعرفه الكثيرون عن رجل انطبع في أذهانهم بشاربه الكث والغليون الذي لا يفارقه، حالة العشق الذي جمعته بمدينة شبام في حضرموت.
تلك المدينة التي أقام أهلها أولى ناطحات السحاب في العالم منذ نحو 500 عام، باستخدام العمارة الطينية، وتعد مهد الهجرات الحضرمية باتجاه مشارق الأرض نحو بلاد الملايو وسنغافورة، وكذلك لشرق أفريقيا، في تجارتهم المعروفة، ونشر رسالة الإسلام في تلك الأصقاع.
لأجل تلك المدينة الموغلة في القدم، قرر جراس رصد المخصص المالي لجائزة نوبل الحاصل عليها لمصلحة صندوق باسمه لصون العمارة الطينية في بلاد ترزح تحت وطأة الفقر والحروب وغياب التنمية. وصدق في أهلها قول شاعرهم الراحل عبدالله البرودني، وهو يخاطب أمام اليمن منذ أكثر من ستين عاما ”نصف شعبك يشقى هنا، ونصفه بين الشعوب مشرداً”.
وبعد أن انحدرت البلاد بأكملها نحو الفوضى، لم نسمع بما آل إليه الصندوق الذي يحمل اسم أهم أديب ألماني في النصف الثاني من القرن العشرين. وامتد العبث والنسيان والخراب لآثار وشواهد من تاريخ عريق في أرض ذات مخزون حضاري هائل.
خاض جراس معارك ومواجهات عدة، لا سيما مع أبواق الدعاية الإسرائيلية التي سعت لتشويه صورته ومقاطعة كتبه وإبداعاته، وحاولت ربطه بالعهد النازي. وهي التهمة التي لم ينفها كونه كان إلزاميا للشباب الألمان التجنيد في صفوف جيش الفوهرر. ولكن ذلك لم يمنع جراس من التصدي لإسرائيل وجرائمها بحق الفلسطينيين.
تحية لصاحب ”الطبل الصفيح” الذي سخر حياته وإمكانياته لأجل الانتصار لقيم الإنسان وحقوقه في كل مكان. مواقف مبدئية فرضت احترام الجميع لقارع طبول المحبة بين البشر.