علي العمودي
يحل العام الهجري الجديد 1436 بهدوء، كقدر يوم حلوله الذي لم يكن ليدري به أحد لولا العطلة الرسمية التي ترتبط به، وجاءت هذا العام على غير هوى مقتنصي الإجازات والعطلات الرسمية، لأنها من دون تعويض اعتادوا استثماره، ولولا الاحتفالية التي تقيمها دوائر «الأوقاف والشؤون الإسلامية» هنا وهناك.
تحل المناسبة بهدوء، والعديد من بلدان العالم الإسلامي ومجتمعاته تمور بتحولات دامية، بعد أن استباح الحرمات واخترق المحرمات «الدواعش» و«تتار العصر» وغيرهم من المتاجرين بالإسلام، وجعلوا منه قريناً للإرهاب بالدم والدمار، وهو منهم براء.
في مناسبة كهذه تتجلى دروس وعبر، بهجرة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله من مكة مهبط الوحي ونزول الرسالة، إلى يثرب التي أنارها قدومه المبارك، وأصبحت المدينة المنورة، حيث بنى نموذج المجتمع الإسلامي الذي تحول من نواة صغيرة إلى إمبراطورية تشع نوراً وحضارة تمتد من تخوم الصين شرقا وحتى أوروبا غربا.
كان مفتاح البناء فيها حسن التعايش بين الأنصار والمهاجرين الذين آخى بينهم نبي الأمة، وكذلك قيم التسامح مع بقية الأقوام والأديان في المدينة من يهود ونصارى.
وبقيم الوسطية والاعتدال تلك قامت حضارة الأمة منارة تنير للبشرية دروبها، وقدمت نماذج للإنسانية في بناء الدول والمجتمعات تقوم على العدل والمساواة، وحسن المعاملة والتعايش والتسامح بعيداً عن الغلو والتعصب.
وها هي بلداننا ومجتمعاتنا الإسلامية والعالم بأسره يواجه اليوم تهديدا خطيرا بعد أن تفلت جنون الغلو والتعصب من عقاله، وانتشر الملتاثون من «الدواعش» ومن على شاكلتهم من تنظيمات المتأسلمين، يعيثون في الأرض خرابا وفساداً، يسفكون دماء الأبرياء ويدمرون الممتلكات ويحرقون الأرض والنسل. تهديد وجودي خطير، يسعون للانتقال به من مناطق ابتليت بوجودهم إلى مناطق أخرى آمنة، يريدون التمدد نحوها غير بعيد عنا. آفة الإرهاب التي كان البعض يعتقد أنه بعيد عنها، أصبحت قابلة وقادرة على الظهور في مناطق جديدة، واستقطاب وتجنيد شباب منا يُستغلون كوقود لمخططاتهم الإجرامية، مما يتطلب حشد كل الطاقات والإمكانات لتحصين العقول قبل أي شيء، والتمسك بإبراز القيم العظيمة التي قدمها للإنسانية إسلامنا العظيم قبل أكثر من 1400 عام على يد سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، وكل عام وأنتم بخير.