بقلم : علي العمودي
بنظرات زائغة وابتسامة بلهاء، وقف أمام المحكمة الجنائية الدولية في مدينة لاهاي الهولندية المتشدد المالي أحمد الفقي المهدي، المتهم بالانتماء لتنظيم القاعدة الإرهابي وفرعه المحلي في مالي المعروف باسم «أنصار الدين»، ليحاكم بتهمة تدمير أضرحة ومزارات مدرجة ضمن قائمة «اليونيسكو» للتراث الإنساني العالمي في مدينة تمبكتو التاريخية عام 2012.
عندما تُليت عليه لائحة الاتهام، ودوره في ذلك العمل البربري، قال «غير المهدي»، «يؤسفني أن ما سمعته كان صحيحاً، وكلي ندم، واطلب الصفح عما بدر مني»، و«اعتبروني ابناً ضل طريقه». وقال إنني كنت تحت سطوة عصابة «القاعدة» و«أناشد كل مسلمي العالم إلا يقوموا بمثل ما قمت به»، و«سأقضي سنوات سجني لتطهير نفسي من الشر الذي سيطر علي». ويواجه «غير المهدي» في حال إدانته أحكاماً بالسجن تصل إلى 11 عاماً.
الواقع أن المحاكمة التي بدأت الاثنين الماضي في «دنهاق» - كما يسميها أهلها- تعد تاريخية، فهي أول محاكمة لمجرم حرب بتهمة تدمير تراث ثقافي مصنف ضمن لائحة التراث الإنساني العالمي، وأول شخص يعترف بجرائمه أمامها، وأول مواطن مالي يقُدم إليها من ذلك البلد الأفريقي الفقير الذي عبث بأمنه واستقراره إرهابيو «القاعدة» في شمال أفريقيا.
ما قام به هذا الإرهابي «التائب» وأعوانه، من صور العبث الذي يمارس باسم الدين ممن لا مشروع لهم سوى الدمار والتدمير وإلهاء الناس بقضايا واهية بدلاً من تقديم حلول ومبادرات تنتشل المجتمعات الفقيرة مما تعاني.
مدينة تمبكتو تأسست في القرن الخامس على يد قبائل الطوارق التي ينتمي لها المتهم، وازدهرت لكونها محطة عبور للقوافل التجارية، وسرعان ما تحولت إلى مركز إسلامي وثقافي كبير، وبلغت ذروة الازدهار والشهرة في القرن الخامس عشر. واشتهرت المنطقة باسم مدينة الـ«33 ولياً»، لما تضم من أضرحة ومزارات تاريخية من تلك التي قام بتدميرها «غير المهدي»، عندما كان زعيم عصابة ما يسمى بالحسبة في التنظيم الإرهابي.
مصيبة هذه الأمة، ابتلاؤها بأمثال هؤلاء المعاقين الملتاثين المتاجرين بالدين، يقتلون ويدمرون ويعبثون بمقدرات وإرث الشعوب، ما يستوجب توحيد الجهود لاستئصال شأفتهم وقطع دابرهم.
وبمناسبة الحديث عن تمبكتو، نحيي الجهد الإماراتي الذي قام به مركز جمعة الماجد بإعادة ترميم وحفظ المخطوطات التاريخية، فله منا كل الشكر والتقدير.