بقلم : علي العمودي
أمضى أحد المقيمين أكثر من ثلاث ساعات حتى نجح في إتمام متطلبات إدخال بيانات معاملته «أونلاين» على الموقع الخاص بـ«جوازات أبوظبي»، وهرع بعدها لمبنى الإدارة لإتمام مهرها على جواز السفر، وبعد رحلة طلوع ونزول بين طوابق المبنى العتيد، توقف أمام موظفة لم تكلّف نفسها حتى عناء النظر في الأوراق التي يحملها الرجل، ودعته إلى الذهاب لتقديمها عبر «أمبوست» ما لم يكن مستعجلاً!!.
نزل مسرعاً والسخط بادياً على ملامح وجهه ليستوقفه ضابط صف عند مدخل الطابق الأرضي، لاحظ كم كان مرهقاً ومنزعجاً من الوقت الذي أهدره، وعدم قدرته على إنجاز معاملته باليسر الذي سمع عنه في زمن «فوري». أخذ الموظف منه الجواز وسلمه لفراش وطلب منه الجلوس وقبل أن يستقر به المقام، وفي أقل من ثلاث دقائق، كان الجواز قد عاد إليه ممهوراً بالملصق المطلوب الذي تدرس وزارة الداخلية حالياً استبداله بنظام «ذكي».
خرج غير مصدق سرعة الإنجاز، وبدا له الموقف كما لو أنه أحد مقالب «الكاميرا الخفية»، دقق النظر من جديد، وتوجه بالشكر للضابط، وسؤال يطرق داخله بقوة «لِم إرهاق المراجع بهذه الصورة إذا كان إنجاز المعاملة بهذه السرعة والبساطة؟»، وخرج وهو يردد «مشكور ما قصر.. خلص المعاملة».
أمس الأول كان أحد الإخوة المواطنين يتصل بالبرنامج الجماهيري «استديو1» من إذاعة أبوظبي ليشكر مهندساً في «تخطيط المدن» بمدينة العين؛ لأنه «ما قصّر وخلص المعاملة»، بعدما كان قد أرهقته إجراءات استكمالها. طبعاً الموظفان في الموقف الأول، وكذلك الثاني لم يتجاوزا اللوائح والقوانين، كل ما هناك أنهما أظهرا حرصاً ليس فقط على حسن أداء وظيفتيهما وإنما إسعاد مراجعيهما. إذن الخلل أو العلة ليست في الإجراءات أو اللوائح، وإنما في نوعية الموظفين الذين يتعاملون مع المراجعين بتلك العقلية البالية ممن لا يزالون أسرى الروتين، وإظهار عضلاتهم الإدارية من دون استيعاب النقلة النوعية للأداء الحكومي بعد جوائز التميز ومراكز خدمة المتعاملين المصنفة بدرجات النجوم، والحلول والتطبيقات الذكية التي تهدف من ورائها الدولة إلى إرساء ثقافة التميز في خدمة الناس، والارتقاء لمستوى إسعادهم بصورة تعبر عن فلسفة القيادة في الإدارة الحكومية. ولعل الأساس في تلك الثقافة إدراك الموظف أنه وجد لخدمة المراجع وفق اللوائح والقوانين بكل راحة ويسر وتعامل حضاري راقٍ، لنقول له بدورنا «ما قصرت».