عائشة سلطان
في بعض الأحيان عليك أن تتعامل مع الآخرين متخلصاً من كل حذرك وخوفك، كأنك تلتقيهم لأول مرة في موقف انتظار الحافلات أو داخل قطار ستغادره أنت وهم بعد قليل، كل إلى وجهته، وإن احتمال حدوث لقاء آخر بينك وبينهم كاحتمال فقدان الجاذبية على سطح الأرض والذي يقال بأنه يحدث كل 1000 سنة !!
لا تقل لهم كل شيء ولا تصدق كل ما يقولونه لك، هذا في الحياة الحقيقية، أما في تلك الافتراضية فمن الخير أن لا تصدق أحداً، ولا تصدق شيئاً لأن أغلب الناس تمثل شخصيات ليست لها وجود في الواقع !
في أحيان كثيرة لا عليك إذا جننت وقمت بأشياء خارج مدار العقل، الحياة العاقلة حياة محسوبة بالقلم والمسطرة، والحياة المحسوبة ناجحة وطيبة ومريحة لكنها مملة، وباردة وهي ليست مضمونة على أي حال كحال المغامرات تماماً. يقولون لك لا تدخن لأن التدخين يصيبك بالسرطان ولا تأكل إلا الأطعمة الصحية ولا .. ولا .. وفجأة تكتشف أنك مصاب بالسرطان !! إذن وبما أنه لا شيء يبدو مضموناً في حياة اليوم ، فإن قليلاً من الخروج على المألوف قد يخرجك من الرتابة والبلادة والتأفف والأهم أنه يخلصك من حياة المعايير المزدوجة والأقنعة الملونة !
في أحيان كثيرة نحن لا نعرف لماذا لا نحب ذلك الزميل الذي قاسمنا الفصل الدراسي أو الذي يقاسمنا العمل سوى أننا لا نتقبله أو لأننا نجده ثقيل الدم ! وهو حكم مزاجي لا عقلاني أبداً، وأحيانا لأنه لا يخوض فيما نخوض فيه ولا يقاسمنا اهتماماتنا، أو لأنه لا يرتدي ملابس ذات ماركات شهيرة، إضافة إلى سيارته البائسة، هل تساءلنا فيما إذا كان هو أيضاً ينظر إلينا بذات الطريقة لأننا نهدر أوقاتنا الرائعة في اهتمامنا بـ «الأشياء السخيفة» فنعادي كائناً عظيماً كالإنسان بمجرد قميص وربطة عنق وماركة سيارة !!
وفي أحيان كثيرة يجلس بعضنا على المنصات يتحدث ويحاضر في الأخلاقيات والقيم والتغيير ويملأ الوقت بالشكوى من أخطاء الآخرين وتجاوزاتهم ويقارن كل شيء بما وجده في الخارج، وحين يدخل إلى بيته ومع أطفاله يضرب عرض الحائط بكل قيم التحضر .. لهذا يقف البعض في المكان نفسه منذ قرون !