وما التفاصيل لولا الإنسان

وما التفاصيل لولا الإنسان!!

وما التفاصيل لولا الإنسان!!

 صوت الإمارات -

وما التفاصيل لولا الإنسان

عائشة سلطان

لماذا حين نكتب عن المدن تستغرقنا الأشياء قبل البشر؟ وتلفتنا ماديات التفاصيل قبل روح الأمكنة؟ ماذا يكون البناء الشاهق والمعبد الفخم والضجيج الذي تخلقه سيارات «التوك توك» في شوارع مدن الشرق البعيدة، لولا حكايات الناس، قصص السيدات المهدودات تحت وطأة الكدح اليومي، وحكايات الرجال المملوئين بالانكسارات والإرادة التي لا تخفت، ماذا يكون زحام البشر وأضواء المراكز التجارية العابقة بأفخم العطور وأفضل الثياب وآخر خطوط الأناقة والسيدات والرجال الذين كأنهم خارجون من دفاتر الرسامين الحالمين، لو لم تفتش أعيننا عن تلك البائعات اللواتي تنتظرهن في بيوت الصفيح أو البيوت المتداعية في أحياء الفقر أسئلة الطعام والكساء والحياة والأحلام ولهاث الساعات الباكرة كل صباح جرياً للحاق بآخر قطار يركض إلى تلك المحلات الفاخرة؟

 

أمشي في هذه المدن وأتأمل وجوه الناس، هذه الوجوه الصغيرة النحيلة، وهذه الأجساد التي كأن أصحابها لا يتناولون طعاماً مثلنا، فأجدهم رغم الفقر والتدافع والكثرة يبتسمون لك حين تقف لتشتري منهم شيئاً بدراهم معدودة أو حتى حين لا تشتري، يضمون أكفهم وينحنون في امتنان شديد إذا وضعت في أيديهم ورقة نقدية ثمن بضاعة اشتريتها، هم في الحقيقة ممتنون على الدوام، ممتنون للحياة وللرزق وللإله ولكل شيء، ولن تسمع أحداً يتذمر أو يشتكي، لا وقت لذلك أو ربما لا داعي أبداً، كما أنه لا داعي لرفع الصوت ولا داعي للعجلة ولا داعي للعصبية والتوتر، لا داعي لرذيلة الغضب، فهي أساس الشرور، بشر إذا لم تتأمل ما وراء السلوك لن تفهم حقيقة الثقافة والمحرك الذي يسوقهم في هذه الحياة ووسط خضاتها التي لا يمكن احتمالها بغير هذه الثقافة!
حين انفجرت براكين الموت في الحرب العالمية الثانية وألقيت القنبلة الذرية على بعض مدن اليابان، لم تغلق المدارس ولم تتوقف الأسر عن إرسال أبنائها للدراسة، لكنهم شقوا أنفاقاً لتحمي الصغار وهم في طريق الذهاب والعودة، فلا شيء يمكنه أن يوقف المرء عن التعلم حتى الحرب وحتى انهمار الموت في طريقه كل لحظة، هذا الدرس الذي وعاه الصغار فتحول إلى إرث وثقافة وقناعة جعلت دولة كاليابان مطحونة بهزيمة مدوية وبكوارث لا مثيل لها تتحول بعد الحرب إلى مارد اقتصادي لا يجارى ثقافة وعلماً ورقياً وحضارة، بعيد تماماً عن ثقافة التذمر والشكوى، وعن فكرة المؤامرة التي تحصد شعوبنا في المنطقة العربية دون أدنى استعداد للخلاص منها حقيقة وثقافة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وما التفاصيل لولا الإنسان وما التفاصيل لولا الإنسان



GMT 03:07 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

«وشاح النيل»

GMT 03:06 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 03:05 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 03:05 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

الزمن اللولبي

GMT 03:04 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

مع ابن بجاد حول الفلسفة والحضارة

GMT 03:04 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 03:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 03:02 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

الكونغرس... وإشكالية تثبيت فوز ترمب

GMT 03:31 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 صوت الإمارات - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 03:47 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 صوت الإمارات - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 08:15 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

عرض مسرحية "الغرفة" على تياترو "آفاق" يناير المقبل

GMT 13:50 2012 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين جمعه يطالب بإنشاء هيئة عليا للعقارات

GMT 06:56 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جماهير نادي العين تنقسم بشأن دعمها للنجم عموري

GMT 12:28 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الإذاعة البريطانية "BBC" تواجه تحقيقات جديدة ومتعدّدة

GMT 16:06 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

صناعات غذائية وتجميلية ووقود طائرات من مستخلصات الطحالب

GMT 18:08 2014 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"الإمارات للدراسات" يشارك في معرض الشارقة للكتاب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates