عائشة سلطان
لا يمر يوم دون أن تسمع أحد القريبين منك يسمعك العبارة التالية إذا سألته عن أحواله: «أشعر بملل شديد».. أو ألا تشعر مثلي بالملل، أو يا أخي ملل ولا أعرف كيف أتصرف لأخرج منه!!
غريب هذا الشعور الذي أصبح يسيطر على قطاع كبير من الناس، والأغرب أن يقع الصغار كالأطفال والشباب المراهق تحت وطأة الملل، حتى صار بإمكاننا اعتباره واحداً من أخطر آفات الحياة المعاصرة، وأن النجاة منه تعتبر انتصاراً حقيقياً على الواحد منا أن يكون ممتناً إذا لم يبلى به.
يقول علماء السلوك، إننا جميعاً عرضة للوقوع في الملل، فإذا لم نتدارك أنفسنا يمكنه أن يسيطر علينا ويتحول إلى ما هو أبشع، كأن يتحول إلى كآبة أو اكتئاب طويل المدى، هذا راجع لطريقة مقاومتنا وعملنا الدؤوب للخلاص منه سريعاً قبل أن يتفشى الفيروس في قلوبنا وعقولنا؛ لأن الملل ما هو إلا شعور يرسله العقل الباطن لجعلنا ننفر مما حولنا وما بين أيدينا، فنعتقد في قرارة أنفسنا أن لا شيء مهماً ولا شيء ذا قيمة أو أهمية بالنسبة لنا، وفي الحقيقة فكون الشيء مهماً أو غير مهم لا يأتي إلا من عقلك الباطن لجعلك تقترب من شيء يعتقد عقلك الباطن أنه مهم بالنسبة لك، أو تنفر من شيء يوحي لك هذا العقل بأنه لا قيمة له بالنسبة لك!!
يشعرك الملل بأنك محاصر، وكأنما قد عزلت في زنزانة انفرادية، وأن كل ما تقوم به لا يسبب لك الفرح أو البهجة أبداً، عندها يبذل الإنسان جهوداً عشوائية للحصول على ما يجعله مبتهجاً ولديه شعور بأهمية حياته ووقته، بمعنى أنه يسعى لمنح حياته معنى أو هدفاً بأي وسيلة، وغالباً ما لا ينجح!! وكلما سئل عماذا يبحث؟ يجيب بشكل مبهم: لا أدري بالضبط!! وفعلاً فهو لا يدري كنه ما يبحث عنه حقيقة!! وهذا قد يدفع بالإنسان نحو القلق والغضب وربما أكثر!
ليس شرطاً أن نكون بلا عمل أو بلا أصحاب لكي نقع في الملل، في الحقيقة يكون الملل أحياناً علامة لمرض وليس مرضاً بحد ذاته كالاكتئاب غالباً، وربما يكون شكلاً من أشكال العجز الطارئ، وهذا يرتبط ارتباطاً قوياً بالاكتئاب.
بعض أساليب التربية والعلاقات الأسرية تتسبب في الملل، فهي تضعنا في بيئة خالية من أي مؤثرات ودوافع مبهجة ومحفزة، ولا تسمح لنا بالتفاعل والحيوية، في الملل نحتاج لمستشار حقيقي ولتغيير الحال التي نحن فيها وبسرعة شديدة!