عائشة سلطان
هناك داعش وهناك داعشية، أما داعش فهو مجموعة ميليشيات إرهابية مسلحة أقرب للعالمية منها للمحلية، فأفرادها لا ينتمون لجنسية واحدة ومكان نشاطها أو تحركها ليس واحداً أو محدداً بحدود سياسية أو جغرافية واضحة، مكاتبها كذلك، وتمويلها الذي يأتي من دول ومنظمات وجماعات وأفراد، تسليح تنظيم داعش يأتي من مصادر متعددة، وقوتها البشرية كذلك تأتي من سوريا والعراق والأردن والكويت كما من السعودية وبريطانيا وروسيا وبلجيكا وجنسيات بلا عدد، وهم رجال ونساء لكل مهامه في التنظيم، لقيام داعش (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) قصص وتفسيرات كثيرة، بعضها يؤكد أن نظام بشار الأسد وراء إخراجه للنور، أما المدافعون عن الأسد فيرمون التهمة على الولايات المتحدة وجهاز المخابرات (CIA) بدليل أن تتبعاً لنشأة داعش من العراق زمن السفير الأميركي الذي أقر قانوناً عرف باسمه يسمح للولايات المتحدة بالاستعانة بميليشيات عسكرية من خارج الولايات المتحدة لحماية مصالحها الوطنية، في حين يؤكد آخرون أن قوى إقليمية في الشرق الأوسط وراء قيام داعش كإيران مثلاً وقوى عربية أخرى، وهكذا فالكل مشترك في صناعة الوحش داعش، والكل يدعي الرغبة في الخلاص منه، بينما داعش عصي على الهزيمة حتى مع تدخل قوة عظمى كروسيا على خط المواجهة!!
أعمال داعش الوحشية من قتل وذبح وتشريد ومطاردة وسبي للنساء وبيعهن في سوق أقيم للنخاسة، إضافة لتجنيد الأطفال وفنون الإجرام الهمجية كافة، دلالة لا تحتاج إلى جدل لنفي أي علاقة لهذا المسخ بالإسلام أو بالمسلمين، وأن من أوجده وسلحه ومنحة هذه المساحة ليتحرك فيها بحريته إنما أراد تحقيق أهداف كثيرة وخدمة مصالح وجني أرباح لا تعد ولا تحصى، فمن غير المعقول خلق وحش وإطلاقه في المدينة هكذا للتسلية أو لإخافة الأطفال، نحن لسنا أمام فيلم أميركي يخلق القائمون عليه وحشاً بطريق الخطأ، يحطم المدينة ويدمر كل شيء قبل أن يظهر الأميركي المخلص ليقضي عليه، نحن في دنيا الواقع، وهذا الوحش حقيقة مجسدة لم يظهر بطريق الخطأ، وإنما ظهر بتدبير وبفعل فاعل ليحقق لهذا الفاعل ما خطط له جيداً!
ثم تجاوز تنظيم داعش نفسه من مجرد ميليشيا إجرامية مسلحة تخدم أجندة عالمية وإقليمية، إلى فكر فوضوي ودموي بامتياز، ولو لم تكن هناك أرض وبذرة قديمة في هذه الأرض تنتظر الري، لما نما الإرهاب والتطرف مسترشداً بنهج داعش، إن الذين صنعوا القاعدة والنصرة وابن لادن والزرقاوي والظواهري هم أنفسهم الذين صنعوا الدمية الجديدة المسماة بالبغدادي، ولأنهم يريدون قطع رأس الوحش بعد أن أدى دوره، فإنهم يروجون الآن لمقتله حتى يتخلصوا منه كما تخلصوا من ذلك المسخ الآخر المدعو أسامة بن لادن، هذه المنطقة صارت مسرح ألعاب وخدع سينمائية عن جدارة، وسكانها أتقنوا فن الفرجة لا غير!