عائشة سلطان
ينظر بعض القراء والمتابعين والمعجبين بالكتاب أو كبار الصحفيين ونجوم الإعلام فيظنون أنهم ولدوا هكذا مشهورين وأصحاب مكانة وحظوة وقدرات ومواهب، وهم لا يشعرون بذلك من قبيل الجهل بمسارات الحياة وتقلبات الظروف ولكن لأن تلك الأيام التي كان يعاني فيها هؤلاء ويكابدون الكثير من المصاعب من دون أن يتلقوا دعما من أي نوع، لم يكن هناك أي من هؤلاء المعجبين والذين يحلو للبعض منهم أن يطلق على نفسه صفة التلميذ والعاشق، كان هؤلاء خارج فلك الإعجاب وكان أولئك النجوم في طور التشكل وصناعة البريق، لكن أيا ما كانت الحبكة فهناك رواية مختلفة - وقاسية ربما - يرويها كل كاتب وكل صحفي كبير وكل نجم حقق شهرة في المجال الذي يعمل فيه.
إنك لن تنجح ولن تصنع بريقك الخاص وتلك الهالة التي تتحرك معك أينما ذهبت ما لم تصهرك الحياة وتوجه إليك الكثير من الضربات، ما لم تشهق من شدة الإنهاك، ما لم تبكِ وتتوجع ويؤلمك قلبك وتنظر إلى روحك تئن أمامك، وما لم تفكر عشرات المرات في الهروب والاختفاء والاختباء من ذلك المكان الذي تتعرض فيه للكثير من الضغوطات من دون سبب ظاهر أو منطقي، لن يطول بك التساؤل حتى تعرف في النهاية أنك في ورطة وأن عليك أن تبحث عن المخرج وأن تدفع الثمن، هذا الثمن هو ما سيشكلك ويصنع صلابتك وبريقك الآتي ! وستردد كثيرا فيما بعد «أن الضربة التي لا تقتلك تقويك حتما» !
أعتبر نفسي ممن يصدقون فكرة أن المعاناة محك ضروري للنجاح، فلقد أخرجت المعاناة من داخلي هذا الكاتب الذي أنا عليه الآن والذي كان مندسا خلف الأوراق والوظيفة، المعاناة بمعنى المكابدة وتدريب الحواس والمشاعر على الاستجابة المباشرة والحساسة لما يدور حولك، فتصير مستَفزا بشكل أو بآخر، المواجهة المستمرة مع الخطأ دفعتني ذات يوم للدخول في معركة، والمعركة انتهت بي للتفكير العميق في مخرج، إما أن اترك العمل أو أتخلص من هذه المواجهات التي اشهدها يوميا، وحدها الكتابة التي تفجرت من داخلي بشكل مفاجئ هي ما أنقذني حين كتبت أول مقال في حياتي وأرسلته إلى الصحيفة ومن دون أن افكر كثيرا، وحدها الكتابة أنقذتني وغيرت مساري في الحياة، لكن الكتابة ليست مجرد كلمات جميلة ولا قدرة على التعبير والحصول على مساحة في جريدة بالصدفة أو بالحظ إنها شيء أكبر مما نتخيل !
"الاتحاد"