عائشة سلطان
عديدة هي القمم التي تعقد يوميا حول العالم، لمناقشة الأوضاع المتأزمة والاشكالات السياسية الناتجة من تردي الأوضاع وتدهور الأحوال، قمم تنتهي بمجرد أن يغادر المجتمعون قاعة الاجتماعات، إلا أن القمة الحكومية التي تعقدها دولة الإمارات في دبي للسنة الثالثة على التوالي، والتي بدأت أولى أعمالها صباح الأمس يصح القول بأنها تشكل تحالفا تنمويا قويا لمواجهة التحديات التي تعترض مستقبل المواطن والحكومات معا، فهي لم تضع على جدول أجندتها أي كلام في السياسة والحروب والأزمات والصراعات، صحيح أن جدول القمة مليء بالأسماء الكبيرة وبالموضوعات الحساسة والآنية، إلا أن هذه الموضوعات وهذه الشخصيات التي حضرت وتحدثت كانت تركز على العنصر الأهم: المواطن وكيفية العمل لتأمين مستقبل مستقر للأجيال القادمة باستثمار موارد اليوم من ثروات وعقول وإمكانيات علمية وتقنية.
الإمارات لم تحشد كل هذه الشخصيات ولم تجهز لقمة بهذا الحجم من أجل الدعاية والزخم الاعلامي، بل لتصبح هذه القمة (قمة لشحذ الهمم كما وصفها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم) ولتكون أساساً تبني عليه دول العالم -الحاضرة بقوة على منصة القمة- تعاوناً مشتركاً في مجال التطوير الحكومي، هذا يعني مزيدا من العلم والتعاون لغد خال من الحروب والصراعات والتطرف والاستغلال، غد يعد له منذ اليوم ليكون كذلك، كما جاء في كلمة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان (بعد 50 عاما من اليوم لن يكون هناك نفط، في ذلك اليوم سنكون في دولة الإمارات قد صدرنا آخر برميل نفط، لكننا سنكون قد استثمرنا خيرات النفط والغاز في ايجاد البديل الأقوى والأكثر حصانة للدولة وللمواطن، إنه الانسان المحصن بالعلم الصحيح، في مجتمع محصن بالأمن والتعليم والصحة وبذهنية الابتكار والتنوع الاقتصادي).
إن هذا التجمع الذي يشكل منصة عالمية يرقبها العالم كله اليوم سيتحول الى لقاء سنوي يرسخ لتأسيس تحالف استراتيجي قوي من أجل البحث عن أفضل الحلول والممارسات التي تمكن العالم من حل مشاكله ومواجهة تحديات التنمية والأمن والسلام والتعايش بين البشر، بعيدا عن الحروب والنزاعات والصراعات بعد ان اقتنع العالم بأسره بأن الحروب لن تكون يوما أداة لاستقرار الكوكب بل العكس تماما، وأن الحكومات لن تستطيع وحدها أن تتحمل دفة قيادة المجتمع بعيدا عن المواطن، وأن هذا المواطن لن يشعر بالانتماء لوطنه ومجتمعه ما لم يمنح فرصا كاملة للتعلم الأمثل وللتمتع بحقوقه وثرواته.
لقد كانت كلمة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أشبه بخريطة طريق للمجتمع بقدر ما تمتعت بالشفافية والمصارحة، كما كانت خريطة طريق للقمة وللاستراتيجيات الحكومية التي تعد العدة للمستقبل.