عائشة سلطان
في لعبة المقارنات التي لايتوقف عقلك عنها، تجد - على سبيل المثال -زوجين خليجيين يجلسان في مطعم، الزوج ينظر ببلاهة عبر الزجاج المطل على الخارج، غير عابئ بهذه المرأة التي تجالسه، والتي يفترض أن يكون قد خرج معها إلى المطعم لهدف ما، بينما هي تشرب قهوتها بلا شهية، وتمعن التحديق في شاشة هاتفها، بينما ظلت ابتسامة ساخرة تقبع هناك في طرف فمها!
غير بعيد عن طاولتهما تجلس ثلاث سيدات ألمانيات، لم يتوقفن للحظة عن الحديث، كن إذا تحدثت واحدة أصغت الأخريان باهتمام ظاهر، لا واحدة تقاطع الأخرى، ولا صوت يرتفع أكثر مما ينبغي، لم يظهر جهاز هاتف في يد أي منهن، ولم توجه أية واحدة اهتمامها لأي شيء خارج حديث المجموعة، على الأرجح هن صديقات قديمات، اعتدن على لقاءات أسبوعية ربما، المهم أن ألفة العلاقة بدت واضحة في طريقة الاهتمام ببعضهن، بينما أخرج الزوج الخليجي هاتفة المحمول، وطلب رقماً وبدأ يتحدث بصوت عال ومرح ! وحين انتبه لنظرات الآخرين اندفع خارج المقهى منهمكاً في الحديث، ومتناسياً المرأة التي يفترض أنها بصحبته !!
قالت لي الفتاة الإماراتية التي تعرفت علي ودعوتها لمشاركتي الجلسة، إنها تعيش في ألمانيا منذ أكثر من سنتين، وإنها تتدرب لنيل الزمالة في مجال تخصصها الطبي، وتزاول المهنة بشكل اعتيادي في عيادة مخصصة لها في المستشفى ذاته، وإن المرضى الألمان الذين تستقبلهم يتعاملون معها بترحيب واحترام كبيرين، سألتها لماذا يتحدثون لبعضهم بهذا الاهتمام والشغف بينما لا يصمد زوج في الحديث مع زوجته لدقائق؟ قالت باختصار لأنهم يؤمنون بحق الاختلاف ويحترمون آراء بعضهم، ولا يتشبثون برأيهم إلى درجة التصادم والغضب. الزوج لا يريد زوجته أن تحاوره، يريدها أن «تسمع كلامه» فقط، والزوجة لا تطيق ذلك ربما، لكن من يهتم؟ !!
اعتبرت لقائي بها ومعرفتي بتفاصيل مسيرتها الحياتية من أجمل المصادفات هذا الصيف، ومن المفارقات كذلك، ففي ظل كل ما يتم تداوله عن سلوكيات الخليجيين، وخاصة في ألمانيا، ها هو نموذج رائع يتعامل معه الألمان باحترام فلماذا لا يستغله إعلامنا - الغارق في برامجه المملة والمكررة والمستنسخة في أغلبها -كرسالة قوية توجه لمجتمعات الغرب وبلغتهم ومنطقهم؟ فقد تأخرنا كثيراً في مخاطبة الآخر بلغته واقتحام خطابه التهكمي الساخر والعنصري بخطاب عقلاني وإقناعي هادئ ومحترم وباللغة التي يفهمها. إن جدية وإنجازات الكثير من بنات وأبناء الإمارات في أوروبا، وعرض هذه التجارب وانطباعات المحيط الذي يتحركون فيه، لأمر جدير بالاهتمام والتناول، لما تشكله هذه التجارب من ثراء إنساني وتواصل ثقافي أولا، ولما تحمله من رسائل يمكن أن تؤثر في تغيير الصورة السلبية للخليجي في أوروبا !