عائشة سلطان
كانت الصورة صادمة بما لا يمكن السكوت عنه..
مجموعة أطفال لا تتجاوز أعمارهم الرابعة، يتحلقون حول مجسم لخروف أبيض وبيد أحدهم ما يشبه السكين يقوم بذبحه وهو بصحبه أطفال في مثل عمره وهم ملتفون في ملابس الإحرام !!
الصورة التقطت في واحدة من رياض الأطفال عندنا، وقد بدا بعض هؤلاء الأطفال مستغرباً وبعضهم متحيراً في فهم القصة التي تمثل أمامه، بينما بعضهم بدا مبتهجاً لفعل الذبح وهنا تكمن الخطورة!
بعيداً عن الموضوع الديني وقداسة الشعائر وفلسفة الأضحية والمغزى منها، لدي سؤال: كيف يمكن لطفل في الرابعة أن يفهم هذه الكليات الدينية حول الحج والأضحية والذبح؟ نحن جيل تعلم وتربي في مدارس الإمارات، قرأنا القرآن وحفظناه خارج حدود المدرسة وتعلمنا التربية الإسلامية وقواعد التجويد ودروس الفقه والحديث بما يتلاءم وأعمارنا حتى انتهينا من الدراسة الثانوية، لكنه لم يصدف يوما أن وضع أحد في أيدينا سكيناً لنذبح خروفاً بينما نحن لا نعرف كيف ننطق أسماءنا جيداً!! على اعتبار الذبح درسا دينيا في حكمة الأضحية وشعائر الحج ؟ فهل تغير الأطفال عن أطفال زمان أم تغيرت المدارس أم تغيرت المناهج؟؟ يا سادتي الأفاضل: في التربية كما في التعليم لا يجوز أبداً البدء بالكليات ومغاليق الأمور والمسائل الصعبة، في التربية نحن نوصل الفكرة للطفل -على بساطتها- بالحكاية وبالأسطورة وبالأغنية وبالرسمة وباللعبة وهكذا حتى يفهمها، فهذا العقل الغض الصغير النقي الخالي من الصور والخبرات الصادمة كصفحة بيضاء لا يصح أن ننقل إليه أو نعلمه ما لا يستطيع عقله فهمه أو استيعابه أو معرفة الحكمة الشرعية له، هكذا دفعة واحدة وهو في الرابعة ! فكما لا يصح في المدرسة أن نضع الطفل منذ اليوم الأول في الصف السابع مثلا،ً وكما يتوجب عليه أن يمر بالتدرج المرحلي العقلي والجسدي، كذلك في تربية القناعات والأفكار لا يصح أن نتجاوز هذه الحقيقة لأننا بذلك نرتكب خطأ جسيماً سينعكس على سلوكيات الطفل وبشكل مبكر جداً.
في السينما لا يجوز للأطفال دخول أفلام لا تتناسب مع أعمارهم (حتى لا تتلوث عقولهم بصور العنف والدم والجريمة والبذاءة بكل أصنافها) وحين لا ينتبه الآباء لذلك وحين يتلوث الطفل وتتسلل إلى عقله هكذا صور وانطباعات يتحول إلى مجرم دون أن ننتبه وإلى شاذ وإلى منحرف..
لذلك فان علينا في المدارس أن ننتبه للصور والقيم والأفكار التي نغرسها في نفوس هؤلاء الأطفال كي لا نفاجأ بأحدهم وقد وضع سكيناً على عنق أخيه دون أن يفهم نتيجة فعلته !