عائشة سلطان
في كل مرة يتم فيها الحديث عن الصورة السلبية للمرأة في الإعلام (ولنتحدث عن المرأة العربية في الإعلام العربي تحديداً)، فإن معظم المتحدثين والمتحدثات يكررون الفكرة ذاتها، تسليع المرأة في الإعلانات، توظيف جسدها حسياً في معظم الإنتاج الإعلامي والإعلاني وتكريس الصورة السلبية حولها والتي تحبسها في إطار المرأة المضطهدة والمستلبة والجاهلة ورمز الإغراء والإثارة... إلخ، وطبعا الحديث غالباً ما يتم على أساس أن المرأة بريئة ولا علاقة لها بكل ما يرسم لها، وأن الرجل (غالباً) هو من يكرس هذه الصورة لمصلحة تراث الذكورة المستند في استمراريته على بقاء هذا الدور وهذه الصورة غير اللائقة بالمرأة، نقول بأن هذا ما يعرض وما يتم تكراره دائماً، دون سؤال عما إذا كانت هذه الصورة صحيحة أم لا، واقعية أم من نسج الخيال، تحتاج إلى بحث أكبر في كل الصورة المقدمة للمرأة والتي ربما تفوق هذا بكثير !!
علينا أن نقول إن هذا الذي يقال عن استغلال المرأة وتوظيفها جسدياً في الإعلام والإعلان صحيح إلى حد بعيد في الشكل أكثر منه في الجوهر، وأن هذا الاستغلال ينطبق على الأطفال والشباب كما ينطبق على المرأة وإن كان نصيب المرأة أوفر وأكثر استحواذاً، لأسباب تعود إلى طبيعة الجسد الأنثوي وتاريخية استغلاله وارتباط معظم السلع والبضائع التي يتم الترويج لها عبر هذا الجسد باحتياجات المرأة، أو باحتياجات الرجل التي يستهلكها أساساً ليصل إلى المرأة كالثياب، العطور، النظارات، السيارات، مساحيق التجميل، مواد العناية بالبشرة وبالأسنان وبالشعر، وغير ذلك مما لا يمكن الترويج لها إلا عن طريق المرأة بحسب عقلية المعلنين !
علينا أن نقر أيضاً أن اتهام الرجل بتكريس هذه الصورة موضوع يحتاج إلى مراجعة، فالوكالات العالمية للإعلان وأمبراطوريات الإعلام الكبرى تعمل بآليات السوق ومنطق الربح والخسارة بعيداً عن جنس من يديرها أو يملكها، قد يكون صاحب القرار في هذه الإعلانات امرأة وليس رجلاً، هذه ليست أساس الحكاية، الأساس أن الإعلان علم وتجارة لها أصولها وقواعدها، وليس الرجل من يريد أو المرأة ولكن المتحكم في العملية كلها هو المال ومنطق الربح والعرض والطلب وأساليب التسويق والترويج، لأن جسد الرجل اليوم دخل مضمار التسليع والتوظيف الإعلاني كالمرأة تماماً وبقوة وشراسة أحياناً ! لقد وقفت مشدودة لملصق دعائي ضخم لمنتج جديد من منتجات ظلال العيون، كان بطل الملصق شاباً فاتناً بشكل لا يصدق يضع كل تلك المساحيق على عيونه بينما يظهر شبه عار بشعر يتطاير في الهواء مع فتاة لا تنافسه في الإثارة، وهنا هل يجوز القول إن المتحكم والمسؤول عن توظيف جسد الرجل هنا امرأة !!
علينا أن نعترف بأن المرأة التي يتم توظيفها وتسليعها وامتهانها تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية في ذلك، وأنها تلعب أحياناً دوراً تحريضياً ضد كرامتها وكينونتها حين تتصور أن هذه الكرامة والكينونة لا تتحقق إلا بإتاحتها كبضاعة قابلة للفرجة والإعجاب والانبهار.
علينا أن نعترف أيضاً أن الإعلام يموج بنماذج سلبية وفجة تقدم المرأة كمحرض على العنف، على الثأر، على الاعتداء على المرأة وامتهانها أو الزواج عليها، كمحرك مبدئي للشر والمؤامرات وتعاطي الشعوذة والسحر، كمحرض على الرذيلة، وغير ذلك، هذه صور إن كانت واقعية فعلينا التصدي لها اجتماعياً لأنها تشكل واقعاً معيقاً ومتخلفاً ومعيباً، وإن لم تكن فعلينا المطالبة بالحد منها عبر الأعمال الدرامية التي تكرسها وتعمقها في الوجدان والذهنية العامة !
ماذا لو تم تقديم المرأة إعلامياً كما هي دون تجميل أو مونتاج.. كيف ستبدو الصورة؟