عائشة سلطان
وجاءت أجيال صارت تفلسف القيم والثوابت على طريقة البضاعة المزجاة الناقصة القابلة للمقايضة، وصار لكل شخص رأي في الصواب ولكل وجهة نظر في الخطأ، بينما الحقيقة هي أن الأخلاق ليست وجهة نظر إنما هي واحدة من ثوابت الشخصية القاعدية للأمة ولا يجوز الاختلاف عليها، وأن هناك قيما لم تتجاوزها النسانية يوما ولم تقبل مناقشتها أصلا، فاليابان لازالت رغم الانفجار المعرفي والتكنولوجي تؤمن بقداسة قيم العائلة والعلم واحترام الكبير وتقديم المساعدة للمحتاج، وألمانيا لا تناقش قيمة إتقان العمل واحترام الوقت وهكذا.
في الغرب كما في الشرق رغم التطور الذي ربما لا نتخيل مقداره وحجمه عندهم، إلا أن القيم لم تعرض يوما كبضاعة قابلة للمقايضة، حتى وإن أدخلوا عليها ما يخص حقوق التعبير وحرية الرأي والمعتقد، وحتى إن سمحوا للطفل بأن يتصل بالشرطة متى تعرض للضرب على أيدي أبويه، لقد كان ذلك ضرورة تحتمها حماية الطفل في ظل آباء مصابين بإدمانات وأمراض أخلاقية أحيانا دون أن يتعارض ذلك مع قيمة احترام الوالدين!
لابد من القول: إنني في محاضرة الأمس اكتشفت مدى قدرتي على احتمال المناقشة بالطريقة التي أبدت بها الصغيرات وجهات نظرهن- بالرغم من كمية الاستفزاز الذي كان في أسئلتهن- وهذه ميزة تحسب للعمر وللوعي بطبيعة الحال! كما اكتشفت أننا أمام جيل يعرف الكثير مما يحيط به وبما أتاحته له وسائل التواصل الجديدة وأن لديه وجهة نظر فيما يحدث حوله، كما أنه قادر على أن يسمي الأشياء بمسمياتها وببساطة لها علاقة بالعمر وقلة الخبرة والتجربة بطبيعة الحال دون أن يعني ذلك أن ما يقولونه صحيح بالمطلق، لكنه جدير بأن ينصت له وأن يناقش من باب حق التعبير وحرية إبداء الآراء وتوجيهها أو تصويبها على الأقل فذلك أفضل من أن تظل حبيسة صدورهم يتبادلونها فيما بينهم!!
قالت إحداهن: «إن كل الحديث الدائر حول حماية اللغة العربية وإعلاء شأنها وإلقاء محاضرات وحصص وعظية بشأنها لا فائدة ترتجى منه لأنه من وجهة نظرها يقال للأشخاص الخطأ، فالطالبات كما تقول لا حول لهن ولا قوة وغير مسؤولات عن تدني حال العربية وعدم استخدامها، وأن هناك قرارات عليا يجب أن تتخذ في مجال التعليم والسياحة والإعلام والجامعات لرفع قيمة اللغة، فحين تجد الطالبة أن المطلوب منها أن تحوز على شهادة توفل وسيبا وآيلتس في اللغة الإنجليزية وليس مهما أن تعرف العربية أساسا يصبح من الصعب إقناع هذا الجيل بأن اللغة العربية مهمة فعلا!!