عائشة سلطان
تمتع الناس بصحة جيدة مع ارتفاع متوسط أعمارهم واحد من معايير تطور المجتمعات الإنسانية، فقد شكل طول عمر الإنسان أحد مساعي الإنسان وأحلامه الكبرى، منذ خرج جلجامش حسب الأسطورة العراقية مع تابعه انكيدو باحثا عن الخلود، مع ذلك فحتى في الأسطورة لم يكتب للإنسان الخلود حتى وإن كان نصفه إلهاً، فبمجرد أن عثر على زهرة الخلود التهمتها في غفلة منه تلك الحية البائسة لترحمه من خلوده المبتغى أو المشتهى ! ألا يدعو الإنسان بالخير دعاءه بالشر؟ ألا يحلم الإنسان ويسعى بكل طاقته فإذا هو يحقق شقاءه دون أن يقصد !
مؤخرا أعلن عن منظمة سويسرية تساعد الراغبين في إنهاء حياتهم وتدافع عن حقهم في رفض العلاج الطبي، وقد بلغ عدد أعضائها رقماً قياسياً إثر تلقي المنظمة 20% كزيادة ملحوظة في نسبة طلبات الانضمام إلى عضويتها ! حيث ارتفع عدد أعضائها إلى 81015 شخصاً في الجزء الناطق بالألمانية والإيطالية في سويسرا بعد أن كان 67602 شخص عام 2013، ماذا يعني ذلك في مجتمع أو بلاد يحلم الناس بالسفر إليها ناهيك عن الحياة فيها فقط؟
توفر المنظمة لأعضائها عقاقير قاتلة للمصابين منهم بمرض لا شفاء منه، هذه واحدة من أهم خدمات المنظمة لأعضائها الذين يتسابقون للانضمام إليها، لنتخيل كيف يهرب المرضى وكبار السن المصابين بالخرف إلى الموت، وقد ثبت رسميا أن المنظمة ساعدت 583 شخصاً على الموت العام الماضي ! تلك واحدة من تجليات مدن الحداثة بكل ما تحمله من ملامح التخلي عن إنسانية المدينة متسارعة نحو الميكنة والتقنية والريبوتات والعلاقات الافتراضية والمعيشة عالية المستوى التي توفر أقصى درجات العناية المقننة المعلبة لكبار السن دون أدنى لمسة حنان أو رأفة أو تواصل إنساني حميم.
هؤلاء الذين يسارعون للموت بإرادتهم يعانون مما يسعى إليه غيرهم، التقدم في السن، فلذلك ثمنه الباهظ، التقدم في السن يعني الشيخوخة، والشيخوخة عقاب العمر الحقيقي، أنه الخرف والعجز والمرض وفقدان الشهية للحياة وازدياد الرغبة في الخلاص، لذلك في مجتمعات لا تحدها سياجات دينية قوية، وعلاقات حميمة، يصبح تحديد مسار الحياة بالموت أمراً متوقعاً.
كمعلومة فقط فإن بلجيكا وهولندا فقط تقننان ما يعرف عندهما بالقتل الرحيم أو حق الموت في حين يناقش البرلمان الفرنسي مشروع قانون يتيح للأطباء أن يخدروا» الأشخاص الميؤوس من شفائهم بشكل عميق حتى تحين لحظة وفاتهم.