تلك العجوز التي لن أنساها

تلك العجوز التي لن أنساها!

تلك العجوز التي لن أنساها!

 صوت الإمارات -

تلك العجوز التي لن أنساها

عائشة سلطان

تحت سماوات المدن البعيدة التي نسافر إليها نعرف تماماً أننا غرباء وأننا لسنا من جذر هذه المدن ولا نمت لثقافتها إلا من حيث انتمائنا للجذر الإنساني نفسه التي تنتمي له كل شعوب الأرض، ومع ذلك فنحن لا نعود إلى أوطاننا التي غادرناها وإلى أهلنا وأصحابنا كما غادرناهم، هناك شيء ما يتغير فينا حتى لو لم يقل لنا أحد منهم ذلك أو لم يلاحظوه جيدا، الإنسان الذي لا ينمو بالمحبة ولا يقيم وزنا للمعرفة لا يستحق الحياة، المعرفة هي التي تتغير فينا وتغيرنا وترقى بإنسانيتنا! تحت سماوات المدن البعيدة يتغير أغلبنا، لا نعود نحن الذين نتحرك تحت سماوات أوطاننا، نشرب ماء مختلفا ونستنشق هواء مغايرا ونتعامل مع بشر لا يشبهوننا في شيء كما نقدم أنفسنا لهم كل يوم، منذ أن ندخل المصعد لنهبط إلى الطابق الأرضي ومن ثم نغادر الفندق أو البناية التي نسكنها وحتى نعود ثانية لندخل المصعد نفسه صاعدين إلى غرف نومنا، ليست أكياس المشتريات هي التي زادت أو المطاعم الجديدة التي جربناها، لقد جلسنا خلال هذا النهار والنهارات السابقة واللاحقة إلى أناس وتحدثنا وسمعنا وعرفنا وأصابتنا الدهشة كما أصابنا الملل والتوق وكما تجددت فينا الأحلام والأمنيات والندم أحيانا! جلس على الطاولة التي خلفي في المقهى مجموعة من الشباب الخليجيين وكان حديثهم موجها إلى مراهق صغير بصحبتهم كانوا يحدثونه عن دين أهل البلاد بأكثر العبارات إساءة وتشويها، كان واضحا جدا أنه لا علاقة لهم بالعلم والثقافة والبحث، لكن جرأتهم في الحديث في أمور الدين وفي بلد أوروبي يحلون ضيوفاً فيه وبهذا التحريض والتشويه ليست سوى جزء من التوجه الظلامي الذي يسود أفكار وعقول العديد من شباب العرب في المرحلة الراهنة، وهو ما يحتاج إلى استراتيجية تنويرية وتوعوية تعيد الأمور إلى نصابها، تعيدنا إلى نقاء الفكرة الدينية التي تؤكد لنا أن الله خلقنا مختلفين لغاية إلهية وخلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف لا لنتشاتم ونتقاتل ونحقر بعضنا بعضا باسم الدين، وأن معيار التفاضل هو التقوى ومحل التقوى القلب وأن الدين المعاملة والنصيحة! حين ضللت في طرقات جبلية صعبة في أحد البلاد الأوروبية وكاد الظلام يحل علي وأنا بصحبة طفل وامرأة طاعنة وقفت أنتظر رحمة ربي، نزل رجل من سيارته بعد أن أشرت إليه ألقى السلام فأشعرني بالطمأنينة، طلبت منه أن يدلني على الطريق ففعل، سار معي بضع أمتار ثم تركني، وعدت أتخبط ثانية، وقفت ثانية فدقت على زجاج السيارة امرأة من سكان البلاد حين عرفت بأمرنا طلبت أن اتبعها، تبعتها قلت ستأخذني إلى مسافة قصيرة وتتركني، لكنها ظلت تقودني حتى باب الفندق ولمدة 45 دقيقة، كانت سيدة عجوز احتضنتها بحب وشكرتها بحرارة وحين ودعتني قالت «لا تشكريني لقد أرسلني الله لكم لأنقذكم وأرسلكم الله لي لأفعل شيئا يحبه» وما زلت أدعو لها عند كل صلاة!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تلك العجوز التي لن أنساها تلك العجوز التي لن أنساها



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 18:04 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الحب على موعد مميز معك

GMT 00:42 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كردستان تحتضن معسكر المنتخب العراقي لكرة السلة

GMT 01:57 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

عقبة تُواجه محمد صلاح وساديو ماني أمام برشلونة

GMT 05:18 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ريماس منصور تنشر فيديو قبل خضوعها لعملية جراحية في وجهها

GMT 17:03 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

استقبلي فصل الخريف مع نفحات "العطور الشرقية"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates