عائشة سلطان
اعتبر نفسي من الناس الذين يؤمنون بأن المرأة في مجتمع الإمارات أقوى من الرجل بمراحل، ليست القوة المقصودة هنا قوة الجسد أو العضلات أو التفوق في الصدامات الجسدية، فالتكوين الجسدي والبيولوجي للمرأة أضعف من الرجل بمراحل، وتلك طبيعة خلقت بها المرأة ولا دخل لها فيها، هناك مسلمات خلقت بها، لا يد لها فيها ولا فضل على الإطلاق لأحد، كأن تولد ذكراً أوأنثى مثلًا، وأن تولد في أسرة مالكة أو في أسرة فقيرة، وأن تولد في الصومال أو في النرويج، نحن لا نغير طبيعتنا التي خلقنا عليها لكن بإمكاننا حتما أن نغير خط سير حياتنا، فهناك مسارات تبدو قدرية إن لم نتدخل فيها، وهي في الحقيقة ليست كذلك، أنت تستطيع أن تتخذ قراراً بمغادرة الجغرافيا التي تنتمي إليها وتستطيع أن تغير جنسيتك وشهادة ميلاد أبنائك، كما تستطيع المرأة أن تتفوق على الرجل دون أن تصرعه جسدياً!
القضية ليست صراعاً -أحسبه كذلك - فالمرأة أصبحت أقوى لأن الحياة وضعتها على محكات حاسمة وفاصلة، كان عليها أن تتحمل أدواراً ومسؤوليات أكبر من طاقاتها وقدراتها، وأكبر أيضاً من موارد المجتمع والطبيعة التي تعيش فيها، فيما مضى قبل الطفرة والبترول ومدن النفط والثراء، كان الجميع فقراء جداً، وكان البحث عن لقمة العيش جهاداً وسعياً وصراعاً مقنناً، كان البعض يموت جوعاً والبعض يجرب كل شيء ليعيش ويساعد أهله وعائلته على العيش، في هذا الظرف الاقتصادي القائم على حدود الكفاف، منحت الظروف المرأة فرصة ذهبية، لتقوية قدراتها وأدواتها وإمكاناتها الجسدية والذهنية على المواجهة والمقاومة ومساعدة عائلتها على الحياة!
كان الرجل غائباً معظم الوقت، وكانت المرأة حاضرة في حياة أهلها وأبنائها ومجتمعها طيلة الوقت، كان ذلك تدريباً ممتازاً على اجتياز العوائق، على إدارة الأسرة، وبالتالي على وضع رؤاها الخاصة في التربية والاقتصاد والابتكار والعلاقات العامة، هذه الرؤى التي منحتها مزيداً من الثبات ووضوح الموقف وقوة الشخصية، والقدرة على المواجهة فمن يواجه شراسة الحاجة، والفقر بتلك الأخلاقيات يستحق أن يجابه العالم برأيه وأفكاره، من هنا فإن جيلًا كاملًا من أبناء الإمارات ممن تربى على يد هؤلاء النساء الرائدات من هذه الفئة الخلاقة قد اكتسب جرأتهن وصلابتهن وبحثهن الدائم عن الإتقان والدقة والكمال.
نعم المرأة في المجتمع أقوى من حيث قدرتها على التعبير عن نفسها وطموحاتها وهي أقوى في البحث عن حقها والتمسك به وهي أقوى في استمرارها كما كانت جدتها، وأمها يفعلان عندما كانا يطوران أدواتهما في مواجهة مصاعب الظروف، بالتأكيد فان الظرف الحياتي اليوم أفضل وأسهل لكن الملاحظ أن المرأة لازالت تتعاطى مع الحياة بجدية أكبر وبمسؤولية واضحة في الأسرة كما في مؤسسات العمل!