الكيرخانة

(الكيرخانة) !

(الكيرخانة) !

 صوت الإمارات -

الكيرخانة

عائشة سلطان

لفت نظري موضوع نشرته إحدى صحفنا المحلية حول ماكينة الخياطة أو ما كان الناس عندنا يسمونها قديماً بـ(مكينة الخياطة) أو (الكيرخانة)، ما أثار عندي الكثير من الذكريات والتداعيات الحميمة، وكذلك القراء الذين اطلعوا عليه، خاصة أولئك الذين ينتمون لجيل من المعاصرين يحتفظون بصورة واضحة في مخيلتهم لهذه الماكينة التي اعتادوا على رؤيتها في منازلهم وهم صغار، كما تعودوا على رؤية أمهاتهم يعملن عليها خلال النهار بصبر كبير، يفصلن الثياب ويخطنها، ويتفنن في العمل عليها، أما الأكثر ثباتاً مما تبقى في الذاكرة عن تلك (المكينة) فهو طريقة اعتناء الأمهات بها، تنظيفها عن الغبار باستمرار، تزييتها ووضعها في الشمس، حفظ الخيوط والإبر والمقصات (عدة الخياطة الخاصة) في علبة معدنية معدة لهذا الغرض، وعدم السماح للأطفال بالاقتراب منها، فـ (الكيرخانة) كانت قطعة فنية مهمة وباهظة القيمة، وجليساً حميماً لنساء كثيرات قضين معها أياماً طويلة لم يحتجن لملابس جاهزة ولا للذهاب للخياطين أبداً !!

أتذكر تماماً تلك السنوات السبع الأولى من طفولتي التي قضت أمي جزءاً لا بأس به من أيامها الطويلة، تخيط فيها ثيابي بصبر وأناة، تعلمت الخياطة واشترت الكثير من الأقمشة وتفرست في ملابس نجمات أفلام زمان وقلدتها، كانت ماكينة (سنجر) الرفيقة التي لازمتها وأعانتها على تحقيق ما كانت تحلم أن تلبسني إياه، وحين كبرنا أختي وأنا، ورثت شقيقتي حب الخياطة عن أمي، وورثت أنا حب الطهي وفنون المطبخ عن جدتي، كانت قسمة عادلة، رسختها دروس الخياطة والتدبير المنزلي في المدرسة والتي ظلت سائدة في مدارس الإمارات حتى نهاية عقد الثمانينيات حسب ما أتذكر، ثم ألغيت هذه الدروس ظناً من واضعي المناهج في وزارة التربية والتعليم أن جيل اليوم من البنات بما توافر لهن من ثراء في غير حاجة لها، فقد حل السوق والملابس الجاهزة والخادمات محل ذلك وصار تعليم التدبير المنزلي والخياطة لا مبرر ولا حاجة له من وجهة نظرهم -للأسف-!
إن التغيرات التي عصفت بحياة الإنسان في كل مكان سرقت منه الكثير من حميمية الحياة وجمالياتها في الوقت الذي أراحته من العديد الذي لم يعد بحاجة إليه، فتم استبداله بما هو أفضل، لكن الإشكالية التي يواجهها الإنسان في كل مكان مع التغيير أنها لا يميز بين ما يحتاجه الإنسان فعلاً، وما يعني له حقيقة، مشكلة التغيير أنه لا يخيرك ولا يعترف أصلاً بقائمة احتياجاتك العاطفية، كما لا يلقى بالاً لسلم القيم لديك، تلك في الحقيقة مهمتك ووظيفتك أنت، أنت من يجب أن يحدد وينتقي جيداً، وأن يحتفظ بما يستطيع إن كان ذلك يعني له شيئاً حتى لو لم يعد شائعاً بين الآخرين!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكيرخانة الكيرخانة



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 18:04 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الحب على موعد مميز معك

GMT 00:42 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كردستان تحتضن معسكر المنتخب العراقي لكرة السلة

GMT 01:57 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

عقبة تُواجه محمد صلاح وساديو ماني أمام برشلونة

GMT 05:18 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ريماس منصور تنشر فيديو قبل خضوعها لعملية جراحية في وجهها

GMT 17:03 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

استقبلي فصل الخريف مع نفحات "العطور الشرقية"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates