عائشة سلطان
كل يوم يدعوني أحدهم للمشاركة في الجدل الدائر على صفحته على «فيسبوك» أو على حسابه في «تويتر»، أقول لن أخذل أصدقائي الافتراضيين، التويتريون منهم والفيسبوكيون، لكنني حتماً لن أخذل قناعاتي، فحين أدخل الحساب ذاك أو الصفحة تلك أجد القضية أو السؤال المطروح والذي تحول حسب وصف صاحبه إلى جدل، مجرد قضية سطحية أو سؤال تافه وأحيانا مقزز، مع ذلك فهناك مئات من المتابعين يتسابقون للمشاركة وتسجيل آرائهم في النقاش بالتعليق والأخذ والرد سلباً كان أو إيجاباً، فذلك لا يهم صاحب الحساب، المهم أن يقول لك في نهاية اليوم أو ربما يقول لنفسه أو لشركات الدعاية والإعلان أنه أحد قادة الرأي على الميديا الجديدة أو مواقع التواصل، وأن لديه معجبين، وأنه يحظى بإقبال كبير بدليل هؤلاء المشاركين الموجودين على الصفحة.
المسألة تحتاج إلى هدوء شديد، فلا داعي للعصبية أو الغضب ولا حتى الانحياز والسخرية والتشنج، فهناك بالفعل آلاف بل مئات الألوف من المشاركات والمتابعات لكثير من الحسابات الشخصية، وهناك مشهد إعلامي مختلف وحيوي وعملي غير تقليدي تماماً ينفتح لك بطول الفضاء الافتراضي وعرضه، إنكارك له لن يغير من الواقع شيئاً، عدم إعجابك به أو عدم استساغتك أو حتى غيرتك القاتلة لن تجعل هذه الحسابات ومئات الآلاف من المتابعين الشباب يختفون، العقلانية في التعاطي مع هذه المشهد تحتم الاعتراف به، ليس شرطاً أن نعترف بالحساب أو صاحبه، ولكن الأمر أن نعترف بالظاهرة نفسها وبكل الحمولات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وحتى الأخلاقية التي تتضمنها. هناك شباب صغار يتابعهم آلاف مؤلفة من الصغار، يذكرونك بنجوم الراب الأميركيين الذين يتحولون فجأة إلى ما يوصف بمعبود الجماهير، تنتظرهم جماهيرهم في المراكز التجارية وخارج المطارات وفي المطاعم والمقاهي الشبابية، هؤلاء يخلقون جيلاً جديداً مؤثراً، يهدم أسطورة الكهف الإعلامي الكلاسيكي الذي سيطر ولا يزال يسيطر على الإعلام التقليدي عندنا، والذي لم يمنح الشباب فرصة ولو ضئيلة ليأخذوا أماكنهم على الشاشات، وفي صالات التحرير، فما كان من هؤلاء إلا أن أزاحوهم عن عروشهم، ولكن بطريقتهم الخاصة، فسحبوا معظم الجماهير الشابة التي تشكل أكثر من 80% من مستخدمي الإعلام الجديد لصالحهم، تاركين لأولئك مجدهم الأسطوري وصحفهم المهجورة. الإعلام الجديد يقدم نماذج ملهمة من الشباب، علينا أن ننتبه جيدا ًلهم ،ونفخر بحيويتهم وإلهامهم.