عائشة سلطان
نحن في زمن متطلب، يعيش معظم الناس فيه متأرجحين بين ثقافات مختلفة، لكن تبدو ثقافة الاستهلاك وكأنها القاسم المشترك بين الجميع، في مقال الأمس كنا نتحدث عن رواية مثيرة للانتباه والاهتمام، يسوق لنا مؤلفها، نموذج الإنسان حين يقرر أن يتخذ موقفاً حاسماً حيال الاستهلاك اللامنطقي، كيف يعيش أزمته الكبرى وسط أناس لهم رؤاهم المضادة لفكرته وموقفه، من خلال حياة امرأة تعيش مكتفية بما لديها، سعيدة بعملها وبمنظومة العلاقات التي نسجتها من خلال محل الخياطة الذي تمتلكه وموقع إلكتروني تديره وتقدم من خلاله خدمات كثيرة للسيدات المحتاجات للعمل والمعاونة، في نهاية الرواية بدت المرأة وكأنها ضحية خوفها وأوهامها، وربما ضحية زهدها في المال وعدم استغلاله لإسعاد من حولها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه!
جوسلين الخياطة الدؤوبة المخلصة والزاهدة في رواية «لائحة رغباتي» تبدو تجسيداً لفكرة التباين الحاد بين ثقافة الحاجات والرغبات، فهي حين تربح ورقة اليانصيب، تفكر كثيراً فيما تريد أن تشتري بهذه الثروة الهائلة، وحين تراجع لائحة رغباتها تجد أن لا رغبات بل احتياجات حقيقية من نوع (مصباح من أجل طاولة المدخل، مقلاة «تيفال»، «ميكرويف» جديد، حصيرة حمام مانعة للانزلاق، معطف جديد ...) هذه ليست لائحة رغبات لامرأة تمتلك في يدها شيكاً بقيمة 18547301 يورو، لكن جوسلين تعرف على وجه الدقة أن لزوجها لائحة رغبات مختلفة ولابنها وابنتها وحتى صديقتها، ومع ذلك تقرر أن تصمت وتحتفظ بالشيك ولا تخبر أحداً بفوزها، ويطول تفكيرها كثيراً! كانت توازن بين الحاجات والرغبات، بين ما تحتاجه وما يجب أن تطمع في امتلاكه، وما بين خداع الذات وأوهام الواقع، تكتشف ذات صباح أن زوجها سرق الشيك وتلاعب فيه ثم صرفه لنفسه وهرب إلى غير رجعة. أين الصواب وأين الخطأ في موقف المرأة ؟ أين الوهم وأين الحقيقة ؟ أين المثالية وأين الواقعية ؟ الحكاية كلها تكمن في نظرة كل منا الذاتية لحقيقة الرغبات والاحتياجات،
ودرجة الأنانية التي تتحكم في سلوكنا الاستهلاكي الذي يجعلنا نريد امتلاك كل شي ءوالاستحواذ على أي شي ء حتى لو لم نكن بحاجه إليه وكان هناك من هو أكثر احتياجاً !