عائشة سلطان
نحتاج بين فترة وأخرى لمراجعة قائمة رغباتنا واهتماماتنا واحتياجاتنا، فالحياة لا تنحصر في الرغبات فقط، ولا في الأحلام أو الاحتياجات الشخصية فقط، الإنسان - أي إنسان - ذوات متعددة التطلعات والاحتياجات، تتحرك في جسد واحد، وفي عالم متسع متعدد الثقافات والتوجهات، وهو عالم يتنامى ويكبر بشكل سريع ودائم، الإنسان هذا الذي لطالما قال عنه العلماء والفلاسفة والمفكرون إنه كائن مجهول وغامض وذو إمكانات هائلة ولا محدودة، لا يستغل تلك الإمكانات في حقيقة الأمر، مبقياً نفسه في دائرة ضيقة ومحدودة، مفضلاً إعلاء أفكار قاصرة تبقيه في منطقة الجمود وعدم التغيير وتكرار نفسه، وكأنه حجر لا ينمو أو جدار لا يتحرك من مكانه، بينما هو ليس حجراً ولا جداراً، هو ذات تنمو بشكل رائع إذا اعتنى بنفسه وبلائحة رغباته وأهدافه واحتياجاته بشكل دائم ومستمر!!
حين ينسى الإنسان - أي إنسان - نفسه فقط لأجل رضا الآخرين دون تفكير عقلاني في هذا الرضا، وفي مدى ضرورته ومردوده نفسياً وصحياً وعقلياً، فإنه مع مرور الزمن واستمرار الخضوع والاستجابة لضغوط الآخرين ومتطلباتهم واحتياجاتهم، يتحول إلى مجرد ذات منهكة ومستنزفة كحقل يزرع دون رعاية أو رحمة، يصير أحادي النظرة، يتحرك في محيط مغلق مثل (ثور) في ساقية لا تتوقف، وذلك كله تحت مخاوفه أو ربما أوهامه من فقدان الأصدقاء أو العائلة أو الأحباب، معتقداً كذلك أن استمرار دعمه ووقوفه وتبنيه لهم، يساعدهم على البقاء أقوياء، وإنْ توقف هذا الدعم قد يقضي عليهم، ذلك أحد أكبر الأوهام في حياة كثيرين منا للأسف!!
الإنسان - أي إنسان - لا يمكنه أن يعيش لوحده، كما لا يعتبر أمراً مستحباً أن يعيش لنفسه فقط، إذا أتيحت له الفرصة أن يعيش وسط الجماعة ولأجل أشخاص آخرين، فالإنسان في نهاية المطاف كائن مستطيع بغيره، كما أنه مهووس بحب الجماعة والاستئناس بها، تلك واحدة من أسس الخلق، حيث يقال بأن الله خلق آدم وحيداً وأسكنه الجنة، لكنه بعد أن مكث بين مباهجها جلس مهموماً بسبب وحدته، فخلق الله حواء لتشاركه الحياة وتؤنسه، لذلك فالجماعة نعمة ودعمها ضروري، ودعمنا لها كذلك، لكن ذلك يتوقف على نوع ومستوى الدعم، بحيث لا يتجاوز حقوقنا ورغباتنا واحتياجاتنا وأحلامنا، وبحيث لا يعرقلنا عن الانطلاق والتفكير في أحلامنا وطموحاتنا، وما نريد أن نكون وما نحلم أن نصبح عليه طالما كان ذلك مباحاً ومشروعاً، ولا يصطدم بحقوق الآخرين! الكُتاب والروائيون أشخاص شديدو التأثير في محيطهم، وفيمن حولهم، وهم أكثر الناس احتياجاً للتحرر من ضغوط الجماعة المعيقة للنمو والتغيير، خاصة وهم أكثر الناس اطلاعاً وتماساً مع تقنيات التغيير، ولأننا نحترم قراءنا، علينا أن نتطور وننمو بهم ومعهم، فإن علينا أن نحترم التعددية والاختلاف، وأن نكون على قدر الثقة، وفي مستوى التحديات وما أكثرها.