عائشة سلطان
اللقاء بالشباب الصغار والحديث معهم يتطلب لياقة عالية ليكون خطابك ولغتك في مستوى اهتماماتهم ومفاهيمهم الحداثية، ففي نهاية الأمر يلعب الزمن دوراً كبيراً في خلق فروقات شاسعة بين الناس حين ينتمون لأجيال مختلفة وأعمار متباينة من حيث المعارف والاهتمامات، وطرق التفكير والمبادئ التي ينتمون إليها، وحتى القيم التي يؤمنون بها ويدافعون عنها، هذا الأمر يبدو طبيعياً جداً في كل العصور، فما بالكم بعالمنا اليوم، وقد قلبت التكنولوجيا كل شيء رأساً على عقب، وجعلت الفجوة والفروقات بين الأجيال تتسع وتتزايد يوماً بعد يوم، وليس سنة بعد سنة!
صباح البارحة، التقيت مجموعة من الشباب والفتيات من طلبة الإعلام في ورشة تدريبية تنظمها المنطقة الحرة للإعلام في أبوظبي (twofour54)، كان صلب الحديث حول جوانب
العمل الإعلامي، ونقل تجربة معينة لهؤلاء الشباب المقبلين على بدء مرحلة العمل في مجالات الإعلام المختلفة، حيث يشكل نقل التجارب وتبادل الخبرات فرصة جيدة لهم، يستفيدون منها ويقرؤنها بمنظور جديد، وبما يتوافر لديهم من إمكانات وفرص حديثة لم تتوافر لجيل الأمس، وهي بالمناسبة فرصة لنا أيضاً لننصت لهذا الجيل، ونعرفه بشكل أكثر قرباً ووضوحاً، فهذه اللقاءات وإنْ كانت قصيرة ومحدودة، إلا أنها تعمل أحياناً على تجسير الفجوة بشكل أو بآخر من خلال حوارات قصيرة ونقاشات تكون ذات مردود ومعانٍ كبيرة وعميقة، وتستدعي التوقف عندها!
سألني أحد الشباب حول قضية أصبحت أشبه بـ «كليشيه» صحفي أو عنوان لازم هذه الأيام، ألا وهو (الشباب والقراءة)، قال: إنهم يقولون لنا اقرأوا لكن دون أن يخبرنا أحد لماذا وكيف نقرأ!! أحسست بأنه ليس سؤالاً بقدر ما هو اتهام! نعم، فحين يلقي عليّ أحدهم موعظة حول طريق الهداية والصلاح، ويتركني أضرب أخماساً في أسداس، يكون كأنه لم يحاضر ولم ينصح بقدر ما زاد في تشويش ذهني، ما عليه لو أنه رسم لي بشكل بسيط هذا الطريق، أو قادني إليه، هذا بالضبط ما كان يريد أن يسمعه الشاب، لذلك قلت له، إذا حدثك شخص، أي شخص، عن القراءة، وطالبك بها، فخذ يده واجلس معه وقل له، اخبرني ماذا أقرأ، واسألني ماذا يشغلني وماذا يهمني وماذا امتلك من مواهب ومؤهلات ولغات مثلاً، ثم حدد لي في ضوء ذلك خريطة طريق ميسرة نحو الكتاب وعالم القراءة!!
حين سألتهم ماذا يعني لكم الهاتف النقال ونحن جميعاً، أنتم وأنا، مدمنون حتى قمة رؤوسنا الهاتف النقال؟ قالوا باختصار ووضوح وصراحة، ماذا يعني لهم دون أي محاولة للظهور بمظهر المنزهين عن استخدام الهاتف أو العقلاء الذين يقننون استخدامه، لم يحاولوا أن يتبرأوا من هذا الإدمان لأنهم يعلمون أنه إدمان العالم كله في عصر الحداثة الفائقة على حد تعبير الفيلسوف الفرنسي جيل ليبوفيتسكي!
قالوا إنهم لا يمكنهم الاستغناء عنه مطلقاً، قالوا إنهم يشعرون بالضياع من دونه، وإنه الجهاز الوحيد الذي يشعرهم بالأمان والتواصل مع العالم الخارجي أكثر من أي شيء آخر، قال أحدهم إنه يستطيع أن يتفاهم مع «الموبايل» أكثر من البشر، وقالت طالبة إن وجود الهاتف معي يشعرني بأنني شخص متدثر بالأمان، وفي عدم وجوده أشعر بأنني عارٍ تماماً!!