إنه الجوع للتواصل

إنه الجوع للتواصل !

إنه الجوع للتواصل !

 صوت الإمارات -

إنه الجوع للتواصل

عائشة سلطان

الجوع هو ما يدفع الإنسان عبر تاريخه الطويل إلى الفعل، كل الأفعال التي صدرت عن الإنسان كان مردها الجوع، الجوع للطعام دفعه لمراكمة تاريخ طويل من ثقافة الصيد، والطعام، والزراعة، والحروب، والعلوم، والاختراعات، والحب والزواج والكلام و.

الخ، فكلما أشبع الإنسان جوعا لاح له آخر، وربما من هنا ظهر العديد من النصوص الدينية والأدبيات التي تعمق فكرة الجوع هذه في معناها الواسع الممتد الذي لا يتعلق بالطعام فقط ولكن بكل شيء!

اليوم وقد توافر للإنسان كل سبل الراحة والرفاهية، وسد جوعه للحرية والتعبير وتحقيق الذات وغير ذلك يجد أن حاجته للتواصل مع الآخرين بدأت تتبلور كجوع جديد يلح عليه بشكل اصبح يتطور ويبرز على سطح الحياة الإنسانية المعاصرة بأشكال مختلفة، وقد تثير بعض هذه الأشكال جدالات ومشاكل أحيانا، فمثلا إذا تأملنا هذا الإفراط في التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا الإدمان في استخدام الهواتف وتطبيقات المحادثة مثلا، نجد أن بعضنا مستعد أن يقضي يومه متحدثا في هذا الفضاء الافتراضي مع شخوص افتراضيين، افترض معظمهم أنهم أصدقاء وأنهم أحباب وأنهم أكثر من ذلك، وقد يبدو الأمر مقبولا للذين يعرفون بعضا قبلا، أما الذين لم يسبق لهم التعارف أو التلاقي فتبدو مسألة الصداقة والأحاديث الممتدة أمرا مثيرا ودافعا للتأمل وللتفكير من دون أن يكون في ذلك أي إشارة للرفض أو الاستنكار بطبيعة الحال !

قديما توصل عالم الاجتماع العربي (ابن خلدون) إلى أن الإنسان كائن اجتماعي بالفطرة، وتلك حقيقة لا تحتاج إلى طول جدال لإثباتها، حتى إن واحدة من تجليات استغلال هذه الطبيعة الفطرية تبدو فيما يعرف بالعقوبة المشددة في السجون والمعتقلات وذلك بوضع الإنسان في زنزانة أو سجن انفرادي، فالبقاء وحيدا، وفي السجن تحديدا يبدو عقوبة لا تطاق، ومن هنا يبدو التواصل اليوم نوعا من رفض الوحدة الاختيارية التي فرضتها طبيعة وظروف الحياة الحديثة على الناس، وهو نوع من كسر العزلة أو الزنزانة الحيواتية الانفرادية، اليوم اكتشف الإنسان نكاية بهذه الوحدة وبالذين فرضوها عليه طريقة سهلة، بسيطة وغير مكلفة ليظل متواصلا مع الخارج، مع الآخر، مع العالم البعيد، مع الثقافات الأخرى، مع الجنس الآخر، مع النهار إذا كان وقته ليلا، ومع الحضارة إذا كان يقبع في عمق التخلف، مع المتغير والأفضل والمتنفس.

من خلال الشبكة العالمية للتواصل، من خلال مواقع التواصل بكل تطبيقاتها الخرافية، ومن خلال المحادثات الهاتفية بالصوت والصورة ومجانا رغم كل محاولات الحظر الرأسمالية التي تفرضها شركات الاتصال المعتمدة والرائدة !

اعتقد بأننا جميعا في خضم هذه الحياة القاسية، ونحن نعاني الكثير من الضغوطات، الإحباطات، الفشل في علاقاتنا العاطفية وزيجاتنا الجديدة، تخلي الأصدقاء، ضيق ذات اليد أحيانا، توحش السوق ونظام الاستهلاك، كثرة المطالب والأعباء في البيت والعمل وتحديدا المرأة، في وسط كل هذا تتحول الرغبة في الفضفضة والكلام إلى جوع حقيقي يحتاج إلى إشباع، ولذا فإن كل الدراسات التي يحفل بها حقل الإعلام وعلوم الاتصال يغفل هذا الجانب النفسي الإنساني ويركز على الرسالة الإعلامية والمرسل والمتلقي والعوامل المؤثرة و.

بينما الجوع يعتبر سببا رئيسيا في انتعاش سوق الاتصالات والهواتف ومواقع التواصل، فهو جوع مبرر ومشروع وطبيعي.

الإنسان كائن اجتماعي لا يحب العزلة، حتى الغارقون فيها لا يحبونها لكنهم يخافون ويتجنبون الخيبات لا أكثر كما يقول الروائي الياباني هاروكي موراكامي !

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنه الجوع للتواصل إنه الجوع للتواصل



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates