عائشة سلطان
كانت النساء قديما إذا انتهين من أعمال البيت وواجبات الزوج والأبناء يجلسن لشرب الشاي أو القهوة، يثرثرن بحكايات الحي والأهل وما كان وما يقال انه كائن، ومع الثرثرة تجد من تمسك بشيء بين يديها كأن تخيط ثوباً أو تشتغل بأعمال التطريز وخياطة البراقع والسعف والتلي مثلاً وفي بلاد اخرى تسلي النساء أوقاتهن بحياكة الملابس من الصوف بإبرة التريكو، وبعد أن تغير الزمان صرنا نجد الناس تمسك بالكتب والمجلات في كل مكان، ثم تغير الزمان اكثر فلم يعد احد يجلس أو يمشي أو حتى ينام إلا وأصابع يديه الاثنتين منشغلتين بالهاتف الذي سحب كل الذكاء من مستخدميه تاركاً لهم متعة التنقل بين صفحاته والبحلقة في صوره وبرامجه..فماذا أنتج الناس من الاشتغال بالهواتف؟معظمنا إن لم يكن كلنا نشتكي انعدام الوقت، لا وقت يكفينا للنوم، لا وقت يكفي للاهتمام بعائلتنا وأسرنا الصغيرة، لا وقت لدينا للعناية بأنفسنا، برياضتنا، بزيارة جيراننا وأصدقائنا، بمتابعة المطبخ والصغار والأخبار، لا وقت لأي شيء، إذن أين يذهب الوقت؟ كل الوقت للهاتف، للتويتر والانستغرام والفيسبوك والانترنت ! ألا تدفع هذه الظاهرة للبحث عن أسبابها؟ تقول صديقتي عندما أسافر أجد متسعاً من الوقت لأشياء كثيرة أما هنا فلا بركة في الوقت !! سبحان الله، أليس هو الوقت نفسه؟ أليس اليوم هنا وهناك عبارة عن 24 ساعة؟ فأين الإشكال إذن؟ الإشكال أو سوء التعامل مع الوقت مرده الى تقنين الأمور، هناك نحن مسافرون ولدينا خطة أو برنامج محدد، علينا أن ننهض باكراً لأن مواعيد توافر الإفطار محددة، ومواعيد زيارة الحدائق والقصور والمتاحف والقطارات والرحلات بالحافلات محددة وبما أننا دفعنا والتزمنا فعلينا أن نكون على الموعد، هذا الالتزام بالمواعيد يمنح الوقت اتساعاً ومساحة أكبر لأن لا وقت يضيع كثيراً في النوم والكسل والاتكالية على الخدم المجبرين على توفير الفطور لنا حتى الواحدة ظهراً، ولا وقت يهدر على التنقل بين صفحات المواقع الاجتماعية طيلة النهار حتى أثناء العمل أو الوظيفة لأنه لا قوانين رادعة في بيئة العمل، في بلدان السفر نحن نعيش في حيز محدود من غرف الفندق ونتنقل مشياً أو في الحافلة أو السيارة الوحيدة المستأجرة ولذلك فهناك متسع من الوقت لنرى بعضنا بعضا طيلة الوقت، نرى أبناءنا نكتشف بناتنا وأزواجنا وكأننا نعرفهم لأول مرة، لأننا نقضي معهم وقتاً أطول بعيداً عن هوس الموبايلات وتعدد السيارات والرفاهية الزائدة !
الهواتف بحد ذاتها ليست مشكلة أبداً، المشكلة فينا، في ذواتنا التي أدمنت الاستهلاك، فصرنا لا نشبع من أي شيء، كما أن هذه الذوات في معظمها تعاني أزمات ومكبوتات كثيرة وتجد في دهاليز الموبايل ما يعوضها أو يشبع بعض نواقصها !!