بقلم - عائشة سلطان
كل شيء يحتاج إما إلى ضبط وتقنين، وإما إلى إعادة ضبط وتذكير، خاصة لهؤلاء الذين كل علاقتهم بمفهوم الحرية هو ما سمعوه أو عرفوه وتعلموه من مواقع التواصل الاجتماعي، والحقيقة أن الحرية مفهوم واسع، مهم، ضروري، إنساني، نسبي جداً، وخطير جداً، كما أنه حمَّال أوجه، ويمكن توظيفه بأشكال مختلفة تحتمل الأمر ونقيضه، فالحرية التي يطالب بها شخص قد تكون سبباً في الإضرار بآخر، كما أن مستوى الحرية التي تفاخر بها بعض المجتمعات لا يمكن قبوله أو تطبيقه في مجتمعات أخرى، فقبل الحرية تنضبط المجتمعات وفق منظومات قيم وأديان ومصالح تتفاوت من مجتمع إلى آخر، لكنها هي قبل غيرها من يوجه ويضبط ويحتكم إليه!
علينا أن لا نزايد كثيراً فيما يتعلق بالحرية الفردية، فلسنا من المجتمعات التي تعلي فلسفة الحرية الفردية فوق كل شيء، نحن مجتمعات تحتكم لقيم الجماعة ومصلحة المجموع، (لا أقول عقلية، وإنما مصلحة الجماعة) ولقيم الأسرة، وهي قيم وأخلاق موجودة في كل المجتمعات الإنسانية، ولكن بتفاوتات معينة لها علاقة بتصادم المجتمعات مع الدين وبتطور منظومات القوانين، وبإعلاء القيم المادية وبنوعية الفلسفة التي يؤمن بها هذا المجتمع ولا يعترف بها ذاك!
الحرية ليست تلك التي روّجت لها مواقع التواصل، ولا تلك التي يتمثلها بعض مشاهير «سناب شات» أو «إنستغرام» أو «تويتر» أو «فيسبوك»، الذين يرون في التشبه بالنساء واستخدام أدوات ومواد التجميل حرية شخصية وحقاً مصاناً، والذين يرون أنه يحق لهم نشر سخافاتهم ورذائلهم بين الصغار والصغيرات من متابعيهم، والذين يظنون أن المجتمعات والرموز والهويات والأديان قد أصبحت من الماضي، أو أنها صارت مشاعاً لكل من أراد أن يبني له مجداً أو يزيد عدد متابعيه بالتطاول والتجاوز!
هذا الابتذال لا بد من إيقافه، وإن اعتبر البعض أن هذا نوع من الردة ضد منجز الحرية، لقد بات واضحاً أن الحرية مفهوم نسبي يمكن ضبطه بما يتفق ومصلحة الناس، وليس العكس!