بقلم - عائشة سلطان
على جانبي قناة القصباء بالشارقة، بمحاذاة الماء والهواء وأصوات العابرين بين الضفتين، أصوات الصغار، الأصدقاء الذين يلتقون على فنجان قهوة أو صفحة كتاب، الذين يتأملون جريان الزمن من هذا المكان، يستطيعون أن يتبينوا أنه لا يزال للمكان رائحة الأفكار العميقة، يحييها أو يرسمها هؤلاء العابرون بوشم الوعي، الذين يتركون بصماتهم ويمضون لكن أفكارهم لا تمضي إلا إلى حيث يجب أن تكون.
نجوم الغانم، اسم إماراتي موشوم بالوعي، وفي هذه الأيام تقيم معرضها الخاص هناك تحت عنوان «ملامح»، الذي ذهبت لزيارته، معتقدة أنني سأتأمل عدداً من لوحاته وأحيي صاحبته وأمضي لشأني، لكنني وبمضي الوقت والتأمل علمت أنني أنظر في أكثر من ألفي مرآة تتجسد في لوحات تتناسل كجنيات أو كأسرار بلا نهاية، يجمعها كلها أنها: ملامحنا.
قرأت حتى خذلتني اللغة عدداً لا يحصى من ملامح الوجوه والتعبيرات: الدهشة، الخوف، القلق، الفرح، النقاء، البؤس، السعادة، الشقاء، الصمت، الأبيض، الأسود، الطين والماء والهواء، والصوت والصدق والزيف، والألم، الندم، واللهفة، والرعب.. ولكم أن تتخيلوا أن هناك ما يفوق ذلك بكثير، وأن الفنانة تمكنت خلال ستة أعوام من جمع ذلك كله في ضربة روح ولون وفرشاة عبقرية نثرتها على جدران معرضها مستخدمة كل الخامات الممكنة والتقنيات المتطورة.
نحن نعاني ونتشظى خفية أمام مرايانا الخاصة، ونحسب أن لا أحد يرانا أو يشعر بنا، في هذا المعرض تقول لنا نجوم كلنا هذا الإنسان الذي يعاني وهذه الملامح بعضاً من تلك المعاناة.
وجدت في معرض الفنانة نجوم الغانم عملاً شاهقاً في سماء الفن، وفي عمق الروح، أحببته كثيراً، وسأزوره مجدداً، لأن زيارته هي كلمة (شكراً) التي تستحقها هذه المبدعة الإماراتية، وكل فنان مخلص ومملوء بالشغف.