بقلم - عائشة سلطان
في عرف أطباء النفس والسلوك، الشك مرض وليس مجرد حالة مزاجية طارئة، هو مرض يشير لاضطراب سلوكي يصيب بعض الأشخاص المصابين بحالة متفاقمة من الوساوس وانعدام الثقة بالآخرين وتصرفاتهم دون سبب واضح.
أما في قواميس اللغة، فإن الشك هو حالة من التذبذب بين التصديق والإنكار، أما على صعيد التفكير المنهجي أو الفلسفي، فإن الشك هو بداية الحكمة وطريق المعرفة، وهو الطريق الذي يجعل الحياة أكثر ثراءً والذهن أكثر انفتاحاً، إنه لا يقود للجنون كما قد يظن البعض، إن الذي يقود للجنون هو اليقين البارد بحسب الفيلسوف نيتشه!
هذا التأسيس الفلسفي هو ما قام عليه بنيان الفيلم الأمريكي (الشك)، والذي أنتجته هوليوود عام 2008، ولعبت بطولته الممثلة العملاقة ميريل ستريب، والنجم فيليب هوفمان، يتمحور الفيلم، الذي تدور أحداثه بمدرسة كاثوليكية في أحد أحياء نيويورك في النصف الأول من سنوات الستينيات في القرن العشرين (وتحديداً عام 1964) أي بعد عام واحد من مقتل الرئيس كينيدي!
عصب الفيلم يدور حول مواجهة بين محافظة تقليدية، هي الراهبة الأخت ألوشيوس، والكاهن الليبرالي المتحرر فلين، الذي تشتبه الراهبة في تحرشه بالتلميذ الأسود الوحيد في المدرسة. على الرغم من أن الأدلة غير حاسمة، إلا أن يقين الراهبة لا يقبل الشك، لذلك تسعى جاهدة لنقله من المدرسة والإبلاغ عنه!
لا يخرج المشاهد بأي إجابة يقينية تقوده للتأكد أو التيقن، فيما إذا كانت شكوك الراهبة صحيحة أم لا، لكن مشاهد الفيلم تعطيه تلك الإشارات التي تأخذ بيده ليحاكم ويسأل كل شيء، ولتقول له إن الفيلم كان يتحدث عن التيارات المتعارضة في المجتمع الأمريكي في تلك السنوات، والتي كانت في مهب رياح عاصفة، كناية عن رياح التغيير الآتية، التي كانت تنذر بخريف التعصب وربيع التغيير يومها.. وكأني بالمجتمعات اليوم بحاجة إلى تلك الرياح مجدداً!